الأردن .. 420 يومًا من الإجراءات الصِّحية الصَّارمة ضدَّ فيروس كورونا
أنهى الأردن 14 شهرًا كاملة في حربه المفتوحة ضدَّ فيروس كورونا المستَجد وطفراته المتحورة بوسائل تمثلت بمخزون بشري طبي مدرب، وسياسات وخطط وتجهيزات، هدفها حماية أرواح عشرة ملايين إنسان يعيشون على أرضه من مواطنين ومقيمين ولاجئين.
وبدأت المواجهة الأردنية مع الفيروس، الذي اجتاح العالم نهاية العام 2019 وما زال مستمرًا، بالاعتماد على مخزون كبير من الكوادر البشرية التي خرجتها وأعدتها كليات الطِّب في الجامعات الأردنية، ولجنة وطنية متخصصة يزيد عمرها عن 40 عامًا، وفرت الأساس العلمي لكلِّ القرارات المتخذة لمواجهة فيروس لا يُرى بالعين المجردة ضحاياه بالملايين، وبدّل في أسلوب معيشتهم، وأصاب اقتصاد العالم وأدخله في شلل شبه تام.
ومنذ بدء الجائحة، قرَّر الأردن تشكيل خلية لإدارة أزمة فيروس كورونا على أعلى المستويات، مقرُّها المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات، حيث تدرس كل الخطط الميدانية والآثار الجانبية لكلٍّ منها؛ وصولا إلى القرار الحصيف الأقل ضررًا على الوطن والأكثر فائدة وأثرا في كسر سلسلة العدوى.
ولم تكن قرارات الأردن في التعامل مع هذه الجائحة عشوائية، بل ارتبطت بما يجري في دول العالم والجوار، والاستفادة من تجاربها، ففعَّلت قانون الدِّفاع وعملت على التشبيك بين كل الجهات لمواجهة الفيروس، وتوفير الدَّعم الكامل للجيش الأبيض من الكوادر الطبية والصِّحية للتعامل مع الجائحة.
ذراعان صحيان اتحدا في وجه الفيروس، هما وزارة الصِّحة والخدمات الطبية الملكية بصبغتها العسكرية، يساندهما القطاع الطبي الخاص بمستشفياته وكوادره المؤهلة، تعاملت جميعها مع تداعيات الأزمة منذ بدئها، في ظل حظر تجول شامل فرض لمدة ثلاثة أشهر لمحاصرة الوباء والحد من انتشاره، تلاه تخفيف متدرج للقيود إلى حظر شامل لأيام قليلة، وآخر جزئي ليلا، حيث كانت جميع هذه القرارات تأخذ في الحسبان ديمومة مؤسسات الدولة ومرافقها الحيوية ومساندة الجهود الصحية في مواجهة هذا الوباء.
وطوَّر الأردن بقدراته الذاتية وسائل لمواجهة الفيروس، من خلال إنتاج كميات كبيرة من أدوات السَّلامة العامة للتعامل مع الوباء، والمعقمات التي وُفرت تباعا بكميات كبيرة وللجميع وصدر منها الكثير دعما للأشقاء والأصدقاء، وكذلك العمل على استدامة إنتاج المواد الغذائية التي وصل الأردن حد الاكتفاء الذاتي منها وصدّر منها الكثير.
ورافق كل ذلك حملات توعية وتثقيف ركزت على التباعد الجسدي، وتجنب الاكتظاظ في المرافق العامة، والتحول للعمل والدراسة عن بُعد، مثلما فرضت عقوبات صارمة بحق كل مخالف يعرِّض المجتمع وسلامته للخطر.
كما مدّ الأردن خلال الجائحة، كل جسور التَّعاون مع الدول التي احتاجت للمساعدات الطبية، فأرسلت بتوجيهات ملكية، شحنات من معدات السلامة العامة إلى عدد من الدول الشقيقة والصديقة، في وقت عانت فيه كثير من الدول حول العالم نقصا كبيرا في هذه المعدات.
ووضع الأردن إجراءات صارمة للتعامل مع الجائحة منذ اكتشاف أولى الإصابات القادمة إليه من الخارج، من خلال العزل والحجر الصحي في أماكن مخصصة، ومتابعة هذه الحالات أولا بأول حتى بات اليوم يمتلك خبرة كبيرة لإبقاء الجائحة تحت السيطرة.
وارتفعت القدرات الصحية في مواجهة الفيروس، بزيادة عدد الكوادر، ورفد المستشفيات بالتجهيزات اللازمة، فيما عمدت الجهات المعنية بمحاربة الوباء، إلى زيادة عدد الفحوصات اليومية للكشف عن الإصابات لتصل إلى عشرات الآلاف في اليوم الواحد عبر فرق للتقصي الوبائي الثابتة والمتحركة لمراقبة ومعرفة بؤر وأماكن انتشار الفيروس.
كما أنشأ الأردن مستشفيات ميدانية خلال 30 يومًا توزعت على أقاليمه الثلاثة، فبلغ عدد الأسرَّة في مستشفى عمَّان الميداني على سبيل المثال، 403 أسرَّة منها 84 سريرًا للعناية الحثيثة، و319 سرير عزل لمصابي الفيروس.
وزودت الحكومة هذه المستشفيات بجميع التجهيزات والكوادر الطبية والتمريضية والإدارية اللازمة، وأجهزة العناية الحثيثة وخطوط الأكسجين، مما أسهم في إحدا نقلة نوعية في الخدمات المقدمة لمرضى كورونا.
ومع ظهور وتطور لقاحات كورونا في العالم وبدء التجارب السريرية لها، بادرت الأردن إلى توقيع العقود اللازمة لتوريد اللقاحات بالسرعة الممكنة والتنويع في مصادرها، في الوقت الذي عملت فيه المؤسسة العامة للغذاء والدَّواء كذراع علمي وجهة مختصة على دراسة كل ما يتعلق بهذه اللقاحات وآثارها الجانبية والتأكد من مأمونيتها قبل إجازتها للاستخدام الطارئ.
وبهذا الخصوص، وضع الأردن خطة لإعطاء 75 بالمئة من السكان جرعات المطعوم دون تمييز بين مواطن ومقيم ولاجئ، ليكون الأردن أول دولة وفرت المطعوم للاجئين على أراضيها، لتوفير المناعة المجتمعية، وبما يساعد في عودة الحياة إلى طبيعتها، فكانت هذه الخطوة محط تقدير وإعجاب العالم.
ولغايات تنظيمية أنشئت منصة للتسجيل لغايات الحصول على المطعوم، بإدارة وإشراف من وزارة الصحة والمركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات، الذي أكد في آخر إحصائية تلقيح مليون شخص بجرعتي المطعوم المضاد للفيروس.
وتضاعفت الجهود المبذولة نحو توسيع عملية التطعيم المجانية، فعمدت وزارة الصحة إلى التوسع في استحداث مراكز التطعيم لتشمل جميع أنحاء المملكة، وفي المرافق الطبية العامة والخاصة، وكذلك الجامعات والمدن الرياضية لاستيعاب الأعداد الكبيرة المقبلة على المطعوم في ظل ازدياد أعداد المسجلين على المنصة الخاصة به.
كما بدأت وزارة الصحة والجهات المعنية، وبموازاة حملة التطعيم للمواطنين، تنفيذ حملات مبرمجة لتطعيم الكوادر الطبية العاملة في القطاع العام والخاص ضد الفيروس بهدف حماية خط الدفاع الأول من خطر العدوى، بسبب تعاملها المباشر مع المصابين بالفيروس.
ومع زيادة الإقبال على المطعوم، ازدادت أعداد مراكز التَّطعيم، وتطورت أساليب إعطائه للمواطنين فاستُحدثت خدمة (درايف ثرو) في كثير من مراكز التطعيم، لإعطاء المطعوم للشخص دون الحاجة إلى الترجل من مركبته تجنبا للاختلاط، وتسريع العملية بما يوفر الوقت والجهد.
كما أطلق الأردن حملة وطنية لتطعيم المعلمين، استعدادا للعودة الآمنة للمدارس في بداية العام الدراسي المقبل 2021/2022؛ حيث تلقى حتى الآن أكثر من ثلاثة آلاف معلم ومعلمة الجرعة الأولى من اللقاح في اليوم الأول للحملة التي بدأت الأسبوع الماضي.
وأكدت الحكومة في هذا الإطار حرصها على تحقيق العدالة في توزيع المطعوم للفئات المستهدفة، في الوقت الذي واصلت فيه نشر الوعي والتثقيف الصحي بين اللاجئين والمقيمين بأهمية التسجيل لتلقي المطعوم، وتزويد مراكز التطعيم بالأدلة الإرشادية حول آلية التسجيل، والنشرات التثقيفية لنشر الوعي بالإجراءات الوقائية اللازمة للحماية من الإصابة خلال مرحلة التطعيم.
كما كثف الأردن جهوده لتوسيع مظلة المشمولين بالتطعيم، فأطلقت وزارة الصحة حملة لتطعيم العاملين في القطاع العام في أماكن عملهم، بدأت بموظفي قطاع العدالة في المحاكم الأكثر اختلاطا وتعاملا مع المواطنين والجمهور.
ومع ظهور سلالات متحورة وطفرات جديدة من فيروس كورونا بداية العام 2021، وزيادة عدد الإصابات إلى مستويات غير مسبوقة، لجأت الجهات المعنية في المملكة، إلى إعادة التشدد في القيود والإجراءات ما بين حظر شامل ليوم الجمعة استمر عدة أسابيع، وآخر جزئي بعد السابعة مساء ما زال قائما، حتى تم تسطيح المنحنى الوبائي وبدأت أعداد الوفيات والإصابات بالتراجع بشكل كبير.
ولم تخف الحكومة الأردنية عزمها التشدد في الإجراءات ومراجعتها بحسب تطور الحالة الوبائية، حفاظا على صحة المواطنين وسلامة المجتمع والنظام الصحي بكوادره وتجهيزاته.
وشهدت المملكة كغيرها من دول العالم، بعض الأخطاء في التعامل مع أزمة وباء كورونا، فكان القضاء لها بالمرصاد، وتم إقالة كل مقصر وتحويله للجهات القضائية المختصة.
وشكلت الجائحة بكل مراحلها وتطوراتها دروسًا وتجارب للجهات المعنية في الأردن، فتراكمت الخبرات في كيفية التعامل مع هذا النوع من الجوائح، وإعداد الخطط، واتباع الإجراءات اللازمة لمحاربتها.
وبعد 420 يومًا من دخول الفيروس إلى أراضيه، كانت حصيلة ضحايا كورونا في الأردن نحو 9 آلاف و 718 إصابة.
ويتطلع الأردن مع استمرار انخفاض الإصابات والوفيات بالفيروس واستمرار حملات التطعيم، إلى صيف آمن تعود معه عجلة الحياة إلى طبيعتها، وفتح بقية القطاعات والنشاطات الاقتصادية لمعالجة ما لحق بالاقتصاد الوطني من خسائر نتيجة الإغلاقات والإجراءات التي رافقت انتشار الفيروس.