خبيران صينيان يحذران من أن العالم قد يكون على أبواب جائحة جديدة
يفيد تاريخ العلوم الوبائية بأن نهاية جائحة غالباً ما يعقبها ظهور أخرى، كما يتبين من التسلسل الموثق للأوبئة الذي بدأ أواخر القرن الثالث عشر.
ويكرر الخبراء منذ أشهر أن العالم دخل «عصر الجوائح»، وأنه لا بد من الإسراع في الاستعداد لرصدها والتصدي لها في بداياتها بجهود دولية على أوسع نطاق تحت إشراف هيئة تنسيقية واحدة، وعدم الوقوع مجدداً في خطأ التغاضي عن التحذيرات الكثيرة التي كانت قد صدرت في السنوات الماضية عن الهيئات العلمية، من أن العالم على أبواب جائحة يرجح أن يكون سببها فيروس تنفسي.
آخر هذه التحذيرات جاء على لسان اثنين من العلماء الصينيين ينبهان من أن جائحة “كوفيد – 19” قد تعقبها أخرى يتسبب بها فيروس إنفلونزا الطيور المنتشر منذ سنوات في عدة مناطق من العالم. يقول وايفنغ شي وجورج فو غاو، الباحثان في العلوم الوبائية اللذان كانا أول من حدد مواصفات فيروس كورونا المستجد، إن فيروس إنفلونزا الطيور الذي ظهر في آسيا مطلع عام 2012، وسجلت إصاباته الأولى في أوروبا عام 2014، استناداً إلى بيانات المركز الأوروبي لمكافحة الأمراض السارية والوقاية منها الذي رصد ملايين الحالات بين الطيور الداجنة والبرية، قد تأكد انتقاله إلى البشر فيما لا يقل عن 7 حالات، كما يستفاد من الدراسة التي تنشرها مجلة «Science» في عددها الأخير.
يذكر أن عدداً من البلدان الأوروبية كانت قد أبلغت المركز الأوروبي منذ أواسط العام الماضي عن إصابات بإنفلونزا الطيور رُصدت بين الصقور والبجع المهاجر والبط، وأنه بعد إجراء التسلسل الوراثي تبين أن تلك الإصابات لا تشكل خطراً على الصحة العامة، وأنه من المستبعد انتقاله إلى البشر. لكن في 20 فبراير (شباط) الماضي، أفادت السلطات الصحية الروسية عن انتقال هذا الفيروس إلى بعض العمال في مزرعة ضخمة للدجاج تقع في منطقة «أستراكان» جنوب البلاد.
ويشدد الخبير الصيني جورج فو غاو الذي يدير المركز الوطني لمكافحة الأمراض والوقاية منها على أن انتشار فيروس إنفلونزا الطيور هو خطر داهم على الصحة العامة، ويقول إنه قد يؤدي إلى أوبئة كارثية بين البشر.
ويستفاد من البيانات الأخيرة لمنظمة الصحة الحيوانية أن 46 دولة في أوروبا وآسيا وأفريقيا قد أبلغت حتى الآن عن بؤر انتشار قاتل لفيروس إنفلونزا الطيور. ويقول الباحثان الصينيان إن الفيروس الذي انتقل إلى عمال المزرعة الروسية يحمل تحورات مثيرة للقلق تزيد من احتمالات انجذابه إلى الخلايا البشرية. وإذ يذكران بأن تلك الطفرة الفيروسية هي التي أدت إلى التضحية بما يزيد على 20 مليون من الطيور الداجنة في اليابان وكوريا الجنوبية، يحذران من «مغبة تجاهل خطر السريان العالمي لهذا الفيروس على الطيور الداجنة والبرية، كما على الصحة العامة».
وكان المركز الأوروبي لمكافحة الأمراض والوقاية منها قد أجرى تقويماً لخطر فيروس إنفلونزا الطيور على الصحة العامة في نهاية فبراير (شباط) الماضي، وخلص إلى أنه «ضعيف» على عمال هذا القطاع، و«ضعيف جداً» على عموم السكان. وأفاد المركز بتسجيل 1700 بؤرة انتشار لهذا الفيروس، ولفيروسات أخرى مشابهة، في بلدان الاتحاد الأوروبي ومحيطها منذ أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، ولم ترصد أي حالة لانتقاله إلى البشر.
وكانت السلطات الأوروبية قد قررت، في مارس (آذار) الماضي، تخفيف قيود السلامة البيولوجية التي كانت مفروضة على تربية الطيور الداجنة، وذلك بعد نهاية موسم هجرة الطيور البرية من الشمال، وعدم تسجيل إصابات جديدة منذ مطلع العام.
لكن الباحثين الصينيين ينبهان إلى أن خطورة هذا الفيروس تكمن أيضاً في إصاباته القاتلة للطيور البرية التي تشكل الخزان الطبيعي لفيروسات الإنفلونزا التي منذ سنوات تقضي على ملايين الطيور في أوروبا وآسيا. ويحذران من أن المزارع الضخمة للطيور الداجنة توفر بيئة ملائمة جداً لتحور الفيروس، وأنه إذا دخلها يستحيل وقف سريانه، ويتحول إلى قنبلة موقوتة.
وينصح هذا الخبيران بأن تستبدل بالمزارع الصناعية الضخمة مزارع أصغر يسهل إخضاعها لتدابير صارمة للسلامة البيولوجية، والحد من خطر انتقال الفيروس إلى البشر.
وتجدر الإشارة أن بعض فيروسات الإنفلونزا سبق أن انتقلت في مئات الحالات إلى البشر، وانتهى كثير منها بالوفاة، كما حصل في هونغ كونغ عام 1997.
وعلى الرغم من أنه لم تسجل حتى الآن حالات انتقال لهذه الفيروسات بين البشر، فإن الباحثين الصينيين يشيران إلى أن قدرة فيروسات الإنفلونزا على التحور أكبر بكثير من قدرة فيروس كورونا، وأن ذلك «من شأنه أن يؤدي إلى ظهور جائحة أسوأ بكثير من التي نقاسي منها حالياً، وأنها قد تظهر الشهر المقبل أو بعد 10 أعوام».