بداية النهاية ..
بقلم | خلود البيشي
13 مارس 1964من الميلاد كان مريضًا بالقلب في أيامه الأخيرة، وساءت حالتهُ وازداد ضعفًا وظل مُصِرًا على عِناده بعدم الدخول إلى المستشفى لتلقي العلاج، حتى أن الجميع فشل في محاولة إقناعه.
بعد أيام أراد كتابة وصيّة أدبية أو لعلها كلمةَ وداعٍ للحياة، ففوجئ بأن القلم يهتز في يده المرتجفة واكتأب من ذلك، وقال لمن حوله: الآن عرفت أني قد مت. وقد عشتُ حياتي أعملُ لهدفٍ واحد وهو أن يبقى هذا القلم ثابتًا لا يهتز، نهضَ من فراشه وجاء بالمصحف ووضعه على وسادته فجأة تراخت قواه ومال على جانبهِ الأيمن، هرِعَ من حوله إليه لكن نهايته كانت قد حانت، وانطوت صفحة حياة العملاق “العقاد العظيم” المليئة بكل ما فيها من فكرٍ وإبداعٍ وشموخٍ.
كنتُ أظن، وأتثاقل بالهمِ والتردد من كلِ حرف تخطهُ يدي، فأختصر ملء هذه الصفحة وأُعدلُ هُنا وهُناك ثم أختصر وأختصر وأختصر حتى لا يتبقى من الصفحةِ حرفًا، تعمقتُ في حالةٍ عيّشتُ نفسي بها وارتديتُ رداؤها وتزينتُ بحُليها حتى بديتُ لا أعرفُني، ماذا أريد وما هويتي؟ غرقت في بحر السكوت والعجز وقليلاً تعمقتُ في العدم والاستسلام واكتفيتُ النظر بلا حِراك.
من بين حياة الكثير من العُظماءِ والأدباءِ والصحابةِ _رضوان الله عليهم _ لامستني نهاية حياة العقاد كثيرًا حتى جعلتني أضع نصب عيني هدف لا أحيدُ عنه ولا أميل وهو بأن أجعل قلمي ثابتًا لا يهتز ولا ينقطع بإذن الله وأن أجمع قواي لانطلق إلى ما تُحدثني عنه ذاتي وتتوق إليه. “صحوةَ سُباتٍ عميق” بدايتي بعد ركود من نهاية مشهد العملاق انتظر اللحظة والإلهام الذي أحكمتُ جيدًا وصد بابهِ بفكرٍ لا يُريد أن يرى وأُذنٌ لا ترغب في سماع المزيد.
وما أثَّر بي أيضًا صحوةً أيقظتني بها الكاتبة خلود بادحمان عن كتابها اكتشف شغفك في عبارة تقول: “لا ترحل عادي لا يعرفهُ أحد”، لطالما بقيتُ صامتة رغم التساؤلات التي تُثير حَيرتي يومًا بعد يوم ولا أجوبة في فضائي، فارغًا رغم امتلائه، مُزدحمٌ رغم اتساعه، عما أُحدثُ به ذاتي والذي أختم به يومي قبل لحظات سباتِ ما يُقلق راحة مضجعي لمجرد التفكير به: كيف أجعل قلمي ثابتًا لا يهتز؟ وكيف يبقى حبر بحري لا ينفد؟ وكيف لا أرحل عادي؟