قفزات اقتصادية وهيكلية حققتها المملكة في مدة زمنية قصيرة منذ انعقاد آخر قمة لمجموعة العشرين
تبوأت المملكة العربية السعودية مراتب إيجابية متعددة على صعيد الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية من منتصف العام الماضي ومنذ انعقاد آخر قمة مجموعة العشرين في الأرجنتين في 30 نوفمبر من العام 2018 في تأكيد على قوة زخم الإصلاحات في ظل رؤية المملكة 2030 وحرص المملكة على تنويع الاقتصاد والحفاظ على استدامة أوضاع المالية العامة.
وفي هذا السياق، حققت المملكة نهاية الشهر الماضي أكبر تقدّم بين الدول الأكثر تنافسية في تقرير الكتاب السنوي للتنافسية العالمية 2019IMD ، الصادر من مركز التنافسية العالمي التابع للمعهد الدولي للتنمية الإدارية بمدينة لوزان السويسرية.
وحصلت المملكة على المرتبة (26) مُتقدّمةً بـ (13) مرتبة عن العام الماضي، كما احتلّت المملكة المرتبة (7) من بين مجموعة دول العشرين G20 متفوقة على اقتصادات متقدمة في العالم مثل كوريا الجنوبية واليابان وفرنسا وإندونيسيا والهند وروسيا والمكسيك وتركيا وجنوب أفريقيا والبرازيل والأرجنتين.
ويتضمن تقرير الكتاب السنوي للتنافسية العالمية أربعة محاور رئيسية لقياس تنافسية (63) دولة على مستوى العالم، حيث تحسّن ترتيب المملكة في (3) محاور، وهي (محور الكفاءة الحكومية من المرتبة 30 إلى المرتبة 18، ومحور كفاءة الأعمال من المرتبة 45 إلى المرتبة 25، ومحور البنية التحتية من المرتبة 44 إلى المرتبة 38).
وأدرجت المملكة رسميًا لأول مرة في تقرير الكتاب السنوي للتنافسية العالمية IMD في عام 2017، حيث يقيس التقرير أداء الدول الأكثر تنافسية في العالم منذ عام 1989، كما يقوم بتحليل 235 مؤشرًا فرعيًا لقياس جوانب مختلفة من القدرة التنافسية لاقتصادات 63 دولة في العالم، وتقدم وتحسن ترتيب المملكة في التقرير هو نتيجة لجهود عدد كبير من الجهات الحكومية الحريصة على رفع تنافسيتها بين دول العالم بما يتوافق مع أهداف رؤية المملكة 2030.
وعلى صعيد تقدم آخر، رحبت وزارة المالية في يوليو من العام الماضي بالبيان الصادر عقب اختتام مداولات المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي وما تضمنه من إشادة بشأن التقدم المحرز في تنفيذ البرامج الإصلاحية ضمن رؤية 2030 وانعكاساتها الإيجابية على الوضع الاقتصادي للمملكة، وتعد آفاق النمو إيجابية في ظل استمرار المملكة بتطبيق الإصلاحات، حيث يتوقع الصندوق نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.9 % في العام 2018م مدفوعاً بالتحسن في معدل نمو القطاع غير النفطي، والمتوقع نموه بنسبة 2.3 % مقارنة بنسبة 1.1 % في العام السابق، ومن المتوقع استمرار تحسن النمو على المدى المتوسط نتيجة لتطبيق الإصلاحات وارتفاع الناتج النفطي.
ولقيت جهود المملكة في تعزيز أوضاع المالية العامة التي أسهمت في خفض العجز المالي، ترحيبا من المجلس التنفيذي حيث يتوقع الصندوق أن يستمر عجز الميزانية في الانخفاض في العام 2018م ليصل إلى نسبة 4.6 % من الناتج المحلي الإجمالي ونسبة 1.7 % من الناتج المحلي الإجمالي في العام
إن التقدم المحرز في مجال تعزيز إطار المالية العامة متوسط الأجل وفي خطط الخصخصة وعلاقات الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وإيجاد فرص عمل للمواطنين في القطاع الخاص بما في ذلك السياسات الهادفة إلى تعزيز نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل قد قوبل هذا التقدم بإشادة وترحيب من الصندوق.
وكان معالي وزير المالية الأستاذ محمد بن عبد الله الجدعان قد علق على ما ورد في بيان المجلس التنفيذي للصندوق بقوله: “سنواصل جهودنا لتطبيق الخطط الإصلاحية لتنويع الاقتصاد والحفاظ على استدامة أوضاع المالية العامة من خلال رفع كفاءة إدارة المالية العامة، وتطوير إجراءات إعداد الميزانية العامة للدولة وتحسين التحليل المالي والاقتصادي وتطبيق إطار المالية العامة متوسط الأجل لاسيما من خلال إدارة سقوف النفقات حتى العام 2023م لتحقيق أفضل العوائد الاجتماعية والمالية والاقتصادية وتحسين الشفافية”.
وأبدى صندوق النقد الدولي ترحيبه بجهود المملكة العربية السعودية في تعزيز مبادرات إطار المالية العامة متوسط الأجل، وتطوير إدارة المخاطر المالية والاقتصادية، وزيادة شفافية المالية العامة، وتطوير تحليل المالية العامة والكلية، مشجعاً على الاستمرار في تطوير هذه المبادرات، وذلك ضمن ما جاء في تقرير الصندوق السنوي في شهر أغسطس من العام 2018 حول نتائج مشاورات المادة الرابعة بين خبراء الصندوق والمسؤولين الرسميين في المملكة حول التطورات والسياسات المالية والاقتصادية.
وفي توقع للصندوق ارتفاع نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي إلى 1.9% في عام 2018م، وارتفاع النمو غير النفطي إلى 2.3%، وازدياد تحسن النمو على المدى المتوسط نتيجة لتطبيق الإصلاحات، وارتفاع الناتج النفطي.
وأورد التقرير توقع خبراء صندوق النقد الدولي استمرار تراجع العجز من 9.3% من إجمالي الناتج المحلي الذي تم تسجيله في 2017م إلى 4.6% من إجمالي الناتج المحلي في 2018م، وأن يواصل التراجع إلى 1.7% من إجمالي الناتج المحلي في 2019م.
إن المخاطر التي تحيط بالاقتصاد السعودي تعد متوازنة على المدى القصير، والإصلاحات الاقتصادية والهيكلية التي تقوم بها حكومة المملكة مستمرة لتحسين مناخ الاستثمار وتنمية قطاعات المنشآت الصغيرة والمتوسطة والأسواق المالية وزيادة مشاركة المرأة في الاقتصاد وتطوير قطاعات وصناعات اقتصادية جديدة لزيادة معدلات النمو الاقتصادي وتوفير فرص عمل جديدة.
ونوه التقرير بالتطور الملحوظ في ضبط أوضاع المالية العامة وتنفيذ إصلاحاتها، مضيفاً أن مستهدف تحقيق التوازن المالي بحلول عام 2023م يُعد هدفاً مجدياً ومناسباً، ومن المهم الاستمرار في تطبيق وتنفيذ خطط برنامج تحقيق التوازن المالي.
وأكد الصندوق في تقريره أن زخم الإصلاحات لا يزال قوياً في ظل رؤية المملكة 2030، ويجري العمل على تنفيذ مبادرات جديدة ضمن إطار برامج تحقيق الرؤية المعلنة.
وأكد خبراء الصندوق أن المملكة أحرزت تقدماً كبيراً نحو وضع الاستراتيجية الاستثمارية لصندوق الاستثمارات العامة، وتحديد منهج قوي وأكثر شفافية لإدارة الدين العام، وتحسناً ملموساً في مركز القطاع الخارجي، وأن ربط سعر الصرف بالدولار الأمريكي يخدم اقتصاد المملكة بشكل جيد حسب طبيعة وهيكل الاقتصاد السعودي.
كما أكد صندوق النقد الدولي في تقرير “آفاق الاقتصاد العالمي” الصادر في شهر أكتوبر 2018م استمرار نمو اقتصاد المملكة العربية السعودية خلال العامين 2018م و 2019م بعد انكماشه بنسبة 0.9 في المئة عام 2017م، وذلك نتيجة تطوير المملكة للسوق المالي خلال زيادة التمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتوسع فرص التمويل، ونتيجة للنشاط الاقتصادي غير النفطي والزيادة المتوقعة في إنتاج النفط الخام.
وعقب زيارة بعثة خبراء صندوق النقد الدولي للمملكة منتصف شهر مايو من العالم الحالي 2019م لمشاورات المادة الرابعة خلال شهر (مايو 2019م)، فقد رحبت وزارة المالية ببيان البعثة الذي أفاد بأن الإصلاحات الاقتصادية في المملكة حققت نتائج إيجابية، وتعافي الاقتصاد غير النفطي مما أسهم في تحسن نتائج الاقتصاد في العام 2018، وتوقعاته بأن يتسارع النمو الاقتصادي غير النفطي الحقيقي بنسبة 2,9% في العام 2019، وأن زيادة الإنفاق الحكومي وتنفيذ الإصلاحات دعما النمو الاقتصادي.
إن التقدم في إصلاحات السوق المالية، التي تُوِّجَت بإدراج المملكة في مؤشرات أسواق الأسهم والسندات العالمية، وتوسيع نطاق منحنى عائد السندات الحكومية ليشمل آجال الاستحقاق الطويلة؛ أسهما في تنمية القطاع المالي وتعميق سوق الدين للقطاع الخاص.
وفي شأن اقتصادي آخر، نجحت المملكة في يونيو 2018 م خلال الاجتماع الوزاري السنوي لصندوق الأوبك للتنمية الدولية (أوفيد) في انتخاب مرشح المملكة لمنصب مدير عام صندوق الأوبك للتنمية الدولية لمدة خمس سنوات، إذ شكل هذا منعطفا مهماً حيث حافظت المملكة على تولي منصب مدير عام الأوبك بما يحقق الأهداف التنموية لصندوق الأوبك للتنمية الدولية ويساعد على مواصلة مسيرته الناجحة في تقديم العون الإنمائي للدول النامية لاسيما أن المملكة هي أكبر مساهم في رأس مال الصندوق.
إن إعلان وكالة فيتش في شهر أبريل 2019م بأن التصنيف الائتماني للمملكة على ( +A ) , مع نظرة مستقبلية مستقرة، يشير إلى القوة المالية التي تتمتع بها المملكة بما في ذلك الاحتياطيات الأجنبية، ونسبة الدين العام المنخفضة، بالإضافة إلى الأصول الحكومية الضخمة، وأن المملكة لا تزال تمتلك أحد أكبر الأصول السيادية للدول المصنفة لدى الوكالة.
ورأت فيتش أن الإصلاحات الهيكلية في إطار برامج (رؤية المملكة 2030) يمكن أن تعزز النمو على المدى المتوسط، مشيدة بالإصلاحات المالية التي قد تدعم تسارع نمو الناتج المحلي غير النفطي إلى 2.5% في 2019 – 2020 م .
وفي تقرير للوكالة أشار إلى توقعات بارتفاع الدين العام ليصل نسبة 22% من الناتج المحلي بحلول العام 2020، إلا أن هذه النسبة لا تزال أقل من متوسط الدول المصنفة في فئة A، مشيدة بمتانة القطاع المصرفي في المملكة وتشريعات مؤسسة النقد العربي السعودي.
وفي ذات السياق فقد حدثت وكالة (موديز) تقريرها الائتماني للمملكة والصادر في مايو من العام الحالي 2019 إلى A1 نظرة مستقبلية مستقرة وتشير إلى أن المخاطر على التصنيف الائتماني متوازنة بشكل عام، بحيث يمكن مع مرور الوقت لبرامج الإصلاح الاقتصادي، بما في ذلك خطط برنامج التوازن المالي، أن تعكس التطورات الإيجابية على القدرة التنافسية وفرص العمل في القطاع الخاص مع توجه الحكومة إلى تحقيق التوازن المالي بحلول عام 2023م.
وتوقعت الوكالة نمو إجمالي الناتج المحلي السعودي لعامي 2019م و2020م؛ ليصبح 2.5% و2.5% على التوالي، كما أشارت (موديز) في تقريرها الأخير إلى أن خطط تنويع اقتصاد المملكة بعيداً عن النفط قد تسهم في رفع النمو الاقتصادي للمملكة على المديين المتوسط والطويل، مشيرة إلى أن برنامج (رؤية المملكة 2030) يحظى بدعم كبير على الصعيد المحلي، ولا يزال النشاط في تحقيق مستهدفاتها مرتفعاً للغاية.
وفيما يخص القوة المؤسسية، أشادت الوكالة بالتقدم الملحوظ على صعيد مؤشرات الحوكمة العالمية حول تقدم مركز المملكة في مؤشرات فاعلية الحكومة والسيطرة على الفساد منذ عام 2015م.
وأبرزت (موديز) الارتفاع الكبير في الإيرادات غير النفطية الذي بلغ 10.1% في 2018م، حيث كان يقدر بـ4.5% في 2014م. وأرجعت ذلك بشكل رئيس إلى الإصلاحات المالية مثل ضريبة القيمة المضافة وتصحيح أسعار الطاقة.
وتعكس تقارير المؤسسات المالية الدولية والوكالات المتخصصة قوة اقتصاد المملكة وفاعلية الإصلاحات الاقتصادية وثقة هذه الجهات المتخصصة في اقتصاد المملكة.