شهر رمضان في ذاكرة عسير .. موسم تزدان به النزل وتتآلف فيه القلوب
يمثل محور الذاكرة الشعبية، أحد أهم مصادر توثيق العادات والتقاليد لكونها تحتفظ بالتفاصيل التي يجهلها الأبناء، حيث تنشط هذه الذاكرة في الأحداث والمناسبات الاجتماعية والدينية الكبيرة مثل قدوم شهر رمضان المبارك.
واشتهرت منطقة عسير منذ القدم بعادات اجتماعية مختلفة، ارتبطت بعضها بحلول شهر رمضان المبارك، ومنها ما يروى على ألسنة كبار السن، الذين يرددون دائما عبارات تؤكد النعم التي أغدقت على المملكة ظل قيادتها الحكيمة، حامدين الله تعالى على نعمة الكثيرة ، مستذكرين حياة الأجداد ومعاناتهم شظف العيش طوال أيام السنة في زمن مضى قبل قيام هذه الدولة المباركة وما حملته من تباشير وخيرات وفيرة سعد بها الإنسان وعمت أقطار الوطن ، ناقلين هذه الذكريات عبر الأجيال ليحمدوا الله عزوجل على نعمه عليهم ظاهرة وباطنه.
وهنا يشير الراوي صليم الزهيري إلى أبرز ما علق في ذهنه من ذكريات تتعلق بشهر رمضان المبارك هي وجبة الإفطار البسيطة المكونة من بعض المنتجات المحلية مثل الخبز والسمن واللبن، وقال” في بعض الأوقات نكتفي بوجبة واحدة تجمع بين الفطور والسحور ،وذلك لقلة الموارد المعيشية والسعي لتوفير وجبة لليوم التالي”.
وعن طرق معرفة وقت الإفطار والسحور أبان أن معرفة الآباء والأجداد بمواقع الظل وحركة الشمس والقمر ومواقع النجوم كانت هي المعيار الأول لتحديد أوقات العبادات مثل الصلاة والصوم .
وتحدث حسين بن عبد الله هبيش من جانبه وهو (أحد سكان أبها والمهتم بتاريخ وفنون منطقة عسير) عن أبرز مظاهر الاحتفاء بشهر رمضان ، مبيناً أن مدينة أبها كانت تشهد أواخر شهر شعبان حركة نشطة استعدادا لحلول شهر رمضان ، حيث يتم نقل أثاث المنزل وفرش النوم إلى ضفاف وادي أبها الذي كان يشتهر بوفرة المياه سواء في الآبار أو المياه الجارية ، ثم تبدأ عملية تنظيف الفُرش والملابس من خلال غسلها وتشريقها على الأشجار الكثيفة التي كانت تحيط بوادي أبها كغابة كثيفة .
وأضاف” من أبرز مظاهر الاحتفاء برمضان قيام النساء بتزيين المنازل من الداخل بنقش القط العسيري المعروف، الذي كانت مواده الأساسية للطلاء تؤخذ من أماكن عدة في جبال وأودية المنطقة”.
وأشار ابن هبيش إلى أن أبها اشتهرت بالحركة التجارية النشطة قبل رمضان حيث يقصدها الكثير من المتسوقين الذين يحرصون على شراء بعض المستلزمات المنزلية والأغذية التي تكفيهم لكامل الشهر الكريم ، وذلك لبعد المسافات في ذلك الوقت ومشقة السفر بين أبها والمحافظات المجاورة ، حتى أن أهالي القرى المحيطة بأبها قد يجدون المشقة في نهار رمضان في الحضور إلى أسواق أبها ، لذلك يحرصون على توفير معظم حاجاتهم في هذا الشهر الفضيل في أواخر شهر شعبان .
وعن أبرز مظاهر التكافل الاجتماعي قديما في أيام شهر رمضان المبارك ، أوضح حسين هبيش حرص الكثير من العائلات على مشاركة جيرانهم في الطعام الذي يُعد للإفطار ، فكل أهل بيت يرسلون للآخرين طعاما مختلفا وهنا تتحقق الألفة بين الجميع.
وعن دور المرأة في رمضان ، أكد أنها تعتبر “عمود البيت” فدورها وعملها في رمضان يتضاعف ويفوق عمل الرجل في كثير من الأحيان فهي من تعتني بنظافة منزلها وإعداد السحور والفطور ورعاية المواشي .
بدوره أوضح الشاعر والراوي الشعبي سعيد بن عبدالهادي آل عامر إلى أن معظم أهالي القرى كانوا يجتمعون في المسجد قبل شهر رمضان المبارك لإعداد ما يشبه خطة العمل خلال الشهر الكريم ، لتداول الآراء حول بعض الأمور الاجتماعية التي تخصهم مثل مساعدة الفقراء وتوفير الطعام لهم ، كما يتم التباحث خلال تلك الاجتماعات في مسائل إصلاح ذات البين وتكثيفها في هذه الفترة من الشهر الفضيل ، لينطلقوا إلى منازل المتخاصمين بعد صلاة التراويح مباشرة ، لمحاولة الصلح بينهم وتذكيرهم بفضل هذا الشهر الكريم ، وغالبا ما ينجح المصلحون في إنهاء الخلافات الشخصية .
وتحدث الراويان الشعبيان آل عامر وصليم الزهيري عن دور”منزالة المسجد” في رمضان ، حيث أشارا إلى “المنزالة” وهي مكان مخصص في المسجد لاستقبال ضيوف القرية القادمين من خارجها وعابري السبيل الذين يحل عليهم المساء عند مرورهم بالقرية ، حيث يتم استضافة الشخص الذي يصل لـ”المنزالة” في منازل بعض أهل القرية بالتناوب حتى يغادر.