اختلف لا تهتم
بقلم :” الاميرة الفيصل”
في عصرنا تعددت الآراء والتفسيرات ووجهات النظر ، وأصبح من الصعب الإتفاق على رأي واحد بشأن موضوع واحد بسبب الإختلافات الكثيرة والكبيرة بين التفسيرات .
وأدى ذلك إلى نشأة الكثير من التيارات والأحزاب والمذاهب ، وفي كثير من الأحيان يحدث التصادم بين الآراء ، ويقع الخلاف بين الأفراد والجماعات ، ومن الخلاف تنشأ الصراعات والحروب وتسيل الدماء وتُزهق الأرواح ويرجع ذلك إلى وجود خلل في ثقافة الإختلاف ، تلك القضية التي فشل المثقفون أنفسهم أو ما يطلق عليهم لفظ ” المثقفون ” في علاجها في مجتمعاتنا العربية ، بدليل كثرة المذاهب والأحزاب المعارضة وكثرة الخلافات التي نشأت وتفاقمت نتيجة للإفتقاد إلي ثقافة الإختلاف ولثقافة الإختلاف أبعاد نفسية وفلسفية ، يجب إلقاء الضوء عليها وشرحها وصياغتها بطريقة سهلة ، حتى يفهمها الأطفال قبل الكبار ، وحتى يفهما الماشي المتعجل في مشيته بينما يطوف بلدان عالمنا العربي .
إننا بلا شك في أمس الحاجة إلي ذلك إذا كذا فعلاً صادقين في إصرارنا علي التعايش والبقاء وعدم الإنقراض
سر الاختلاف:
فما هو سر إختلافات الاراء ووجهات النظر وتعدد التفسيرات بشأن الأمور والأشياء في هذا العالم ؟ ، وأين يكمن ذلك السر ؟ في عقل الإنسان توجد جميع الأسرار .
ففي عقل كل انسان توجد شبكة معقدة من المفاهيم المرتبطة بكل شئ في الحياة ، والتي تفسر له كل شئ في الحياة . وهذه المفاهيم مترابطة حيث يتصل كل مفهوم بالآخر عن طريق ” علاقة ” معينة
وجدير بالذكر أن كلمة ” علاقة ” تشير الي الروابط التي تربط بين شيئين مختلفين ، وهي كلمة مطاطة جداً لأن ” العلاقة ” ليست شيئاً ، وتتخذ العلاقات أشكال وتنوعات لا تحصى . ربما يفيد هذا في توسيع بعض المفاهيم.
وهكذا فإننا إذا تصوّرنا تلك الشبكة من المفاهيم والعلاقات المفاهيمية فإننا سنجد أنها تشبه شبكة العنكبوت ، وهي معقدة لكثرة المفاهيم التي تفسر الحياة من حولنا ، وهذا التفسير هو ما يكون الفلسفة الخاصة لكل إنسان في الحياة ، وهذا التفسير وهذه الفلسفة الخاصة تشبه النظارة التي نرتديها لنري بها العالم.
وإذا كانت هذه النظارة خضراء فإننا سنرى العالم أخضر ، وإذا كانت النظارة بمبي فإننا سنرى العالم بمبي وإذا كانت سوداء فاننا سنراه أسود . ولا يُلام المرء علي نظارته التي يرى بها الحياة ، أو بالأصح علي تفسيره للحياة ، لأن الأمر يشبه المرض الشائع ” عمى الألوان ” ، وهل يلام الشخص المريض بعمي الألوان على أنه يرى الأحمر أسود والأخضر أبيض ؟ ؟ بالطبع لا يمكن ولا يحق لأحد لومه على ذلك .
ويجب علينا أن نأخذ هذا بعين الإعتبار عندما نختلف مع الآخرين بشأن تفسيرهم للأمور والأشياء مهما | صغرت تلك الأشياء أو عظمت .
وأما الذين يقولون أن هناك معايير ثابتة وصارمة للفكر مثل المنطق ، ويجعلون من المنطق سلاحاً يحاربون به بعضهم البعض من أجل تغليب رأي فئة علي رأي فئة أخرى ، فإني أقول لهم وأنا أحد الدارسين والمدرسين لعلم المنطق ؛ أنتم تستخدمون سلاحاً قديما عتيقاً في عصرتقدّمت فيه الأسلحة وتنوعت وتطوّرت لاقصى مما تظنون ، وأنكم تشبهون في ذلك المحارب الذي يحارب بالدرع والسيف والحصان في عصر المدافع الرشاشة والدبابات والقنابل النووية الفتاكة . لأن المنطق ليس إلا وظيفة واحدة من وظائف العقل ، ولا يمكننا أن نحصر دور العقل في فعل التفكير المنطقي فحسب .
إننا مختلفون بالفطرة ، ولا يوجد شخصين متشابهين في هذا العالم ، لأن الله واحد وخلق كل واحد منّا | واحداً فقط لا يوجد له شبيه آخر . والإختلاف يثرينا ويثري حياتنا ، وإذا كان هناك سبب واحد فقط التقدم الأمم والمجتمعات فإن هذا السبب سيكون هو الإختلاف.