اللامركزية في التعليم ما بين المتطلبات والتحديات
نوير حمدان الحربي
باحثة دكتوراه في المناهج وطرق تدريس الدراسات الاجتماعية
يعتمد التنظيم الإداري ضمن الحكومات طريقتين المركزية واللامركزية، والمركزية تعني أن اتخاذ القرارات يتم من الحكومة المركزية في حين يقتصر دور المؤسسات والوكالات المختلفة على التنفيذ واللامركزية تعني العمليات التي يتم عبرها تحويل السلطة والمسئولية والقيام بتقديم الخدمات العامة من حكومة المركز لمستويات حكومية محلية أو منظمات القطاع العام أو الخاص، وبمعنى آخر اللامركزية ليست أكثر من نقل للسلطة من الحكومة المركزية إلى المجموعات المحلية.
الجدير بالذكر أن هذا المفهوم باتت تأخذ به العديد من الدول منذ عقود خلت حيث لا يعتبر من المفاهيم الجديدة لكنها اكتسبت شعبية في الثمانينيات و مع بدء تصاعد الديمقراطيات، حيث أدت الاختلافات السياسية والاجتماعية والاقتصادية عبر الدول لنتائج متباينة بشدة عند استخدام تكتيكات مماثلة، ومما لا ريب فيه إن فهم الأهداف المعلنة ضروري لتحقيق لامركزية فعالة، حيث إن التنمية الاقتصادية المتسارعة، وتحسين الفعالية الإدارية، ونقل المسؤولية المالية، والمزيد من الديمقراطية والرقابة المحلية، والتعليم القائم على السوق، وتحييد مراكز القوى المنافسة، وتحسين جودة التعليم هي الدوافع الخفية للتغيير، الجدير ذكره أن دول أوربا الشرقية أخذت تطبق اللامركزية كونه متطلب رئيس للانضمام لدول الاتحاد الأوربي ولتعميق توجهها نحو اقتصاد السوق وجاء التوجه نحو اللامركزية في هذه الدول بغية تحسين الواقع الخدمي ولزيادة الفوائد العديدة في عملية الإدارة للشؤون الاقتصادية والسياسية والتي شكلت بدورها الدافع الرئيس في كون اللامركزية هي الخيار الرئيس.]1[
ويلاحظ أن أهم سمة للامركزية هي أن أولئك الذين يُمنحون المزيد من المسؤولية وسلطة اتخاذ القرار ما زالوا يعملون من قبل الحكومة المركزية ويستمرون في العمل تحت إشرافها. في المقابل، عندما يتم تفويض السلطة، عادة ما تكون الشركات العامة أو الوكالات الإقليمية هي التي تحصل عليها ومن خلال استعراض التجارب العالمية في تطبيق اللامركزية في نظم الإدارة نلاحظ أنه ثمة العديد من المنافع التي رافقت هذا المفهوم، وفق الآتي:
1- المنافع السياسية: حيث تعتبر اللامركزية وسيلة لدفع العمل لدى المواطنين ين لصالح منطقتهم ومشاركتهم في كيفية إدارة شئون الحياة ومرافقهم ومشاركاتهم في السياسة والمشاركة في حل المشكلات
2- المنافع الاجتماعية: والتي تتجلى برفع مستوى الروح الجماعية وتخفيض الفقر في المجتمع من خلال العدالة وتكامل المجتمع وتضافره
3- المنافع الإدارية : من خلال القيام بانجاز الأعمال وتيسير الحساب على المسؤولية والحد من عمليات الفساد الإداري.
4- المنافع الاقتصادية :حيث تتيح على التعرف على احتياجات المجتمع وتوفير آليات استجابة والتنافس بين مختلف الوحدات المحلية ورفع مستوى الجودة في الخدمات الرئيسية كالتعليم والصحة وتحقق الاستقرار الاقتصادي ويبين الشكل الآتي مخطط مقترح من قبل الباحثة يبين تلك الفوائد.]3[
ومن خلال عملية المزج بين تلك المحاور تنشأ أنماط متعددة من اللامركزية يمكننا التمييز بين ثلاثة منها وهي:
أ- عدم التركز: وفيه تقوم الحكومة المركزية بإعطاء بعض الصلاحيات للمستويات الأدنى وتبقى الحكومة هي الجهة المسؤولة قانونياً أمام المجتمع المحلي عن تقديم الخدمات العامة وهذا أقل درجات المركزية.
ب- التفويض: وهو عبارة عن التخويل الذي تمنحه الحكومة فيما يتعلق ببعض الاختصاصات والمهام للسلطات المحلية دون تغيير إطار تشريعي للدولة ويمن سحب هذا التفويض في أي وقت.
ت- النقل ويشكل أقصى درجات اللامركزية حيث يتم من خلال تغيير تشريع الدولة الناظمة للعلاقات بين الحكومة والأقاليم بإعطائها الصفة القانونية والإدارية والمالية. ]2[
كما يعتبر التعليم من القطاعات التنموية المهمة وباتت الكثير من الدول تطبق لامركزية التعليم، من زاوية ثانية يمكننا أن نشير لنقطة مهمة مفادها أن المتتبع للسياسات التعليمية العالمية يلاحظ أن غالبية الحكومات في العالم قد قامت مؤخراً بتطبيق اللامركزية في التعليم، وبات ذلك توجهاً عالمياً.
وبناء على ما سبق فإن اللامركزية في التعليم تركز على مجموعة من القضايا التي تتعلق بالمؤسسات التعليمية وتتضمن عملية تحويل سلطة اتخاذ القرار إلى المستوي التنفيذي والقيام بتوسيع قاعدة الشراكة مع المجتمع المحلي ومن له علاقة بصناعة القرار التربوي وهذا يشمل( الإدارة التعليمية – الإدارة المدرسية – المعلمين – رؤساء الأقسام )، وكذلك زيادة نطاق سلطات ومهام ومسئوليات مدير المدرسة والعمل على تمكين المعلمين وتفعيل أدوارهم حيث يتم الاشتراك اتخاذ القرارات التي تتعلق بشتى القضايا المتعلقة بسير العملية التعليمية التعلمية (التوظيف – الأجور – الميزانية – المنهج – شئون الطلاب( .
ويهدف تطبيق اللامركزية في التعليم لتحقيق مجموعة متنوعة من المرامي والغايات كالعمل على تطوير التعليم وربطة بالخبرات العالمية والتعرف على طرائق وبنود التمويل ، وإيجاد رؤية مدرسية مشتركة والعمل على تحويل دور المعلم لدوره الجديد من الملقي للميسر والمسهل لعمليات التعلم مما يجعل التعليم أكثر انسيابية، الأمر الذي يعطي ميزة تنافسية للمؤسسات التربوية ويمكنها من استثمار كافة مواردها سواء كانت بشرية ، أو مادية أو فنية من خلال عملية التركيز علي العنصر البشري لإكسابه كافة المهارات والقدرات التي يحتاجها وبالتالي تمكين الإدارة المدرسية عبر منحها مزيد من السلطات الإدارية والمالية والتي تجعلها قادرة علي بناء بيئة عمل جديدة تتميز بالتطوير والتجديد المستمر ، كما يهدف تطبيق اللامركزية لتحسين الطرائق التي يتم بها اختيار قيادة مدرسية حكيمة لديها القدرة على اتخاذ القرارات الرشيدة ، الأمر الذي يفتح المجال لمنافسة مدارس القطاع العام ويحقق رغبة أولياء الأمور في تحقيق تعليم فعال ونوعي لأبنائهم مقارنة بتلك التي قد توجد في القطاع الخاص.
وقد يصطدم تطبيق اللامركزية بمجموعة من التحديات المتنوعة مثل وجود معوقات تنظيمية وعدم وجود توصيف واضح للاختصاصات الوظيفية وكذلك عدم استقرار طرق العمل والإجراءات وعدم وجود استقرار وظيفي أو وجود ثقافة مجتمعية تدعم المركزية الشديدة وقد يحول دون تطبيق اللامركزية وجود العديد من معوقات شخصية كحب التمسك بالسلطة وكذلك قلة الخبرات وقد يواجه تطبيق اللامركزية في التعليم أيضاً العديد من المعوقات الإدارية والمادية والبشرية كعوامل تحول وتطبيق اللامركزية بشكل كبير.
ولتطبيق اللامركزية في التعليم بشكل فعال ضرورة ابتكار إستراتيجية واضحة المعالم من خلال مسح المعطيات الواقعية في إدارات ومدارس التعليم وإعطاء المدراء في مختلف إدارات التعليم صلاحيات واسعة ليتمكنوا من القيام بالتغيرات اللازمة بالهياكل التنظيمية بما يوائم مع المصلحة العامة. ورفع درجات التفويض لمدراء الإدارات التعليمية ومدراء المدارس والقيام بإصدار تشريعات وقوانين وهذا بالطبع يتطلب إعادة النظر بالكثير من التقاليد الإدارية القديمة وتغيرها وإلغاء كل ما يتعارض مع التطوير الإداري واللامركزية، إضافة لتخصيص ميزانية كافية للإدارات التعليمية ذات الصلة تكفي لتسيير الأمور المتعلقة بها، وإقامة ورشات عمل والتوعية الإدارية للقيادات التربوية ومدراء المدارس والمعلمين عن اللامركزية في المؤسسات التعليمية.
المراجع :
حنيش، طارق .(2022).معوقات اللامركزية في الإدارات التعليمية كلية التربية جامعة المنوفيه. https://kenanaonline.com/users/drtarekhnash/posts/255341
2- الغامدي،مشاعل ،علي،عبد الله.(1434).معوقات تطبيق اللامركزية بمكاتب التربية والتعليم في مدينة الرياض .]رسالة ماجستير غير منشورة[.كلية العلوم الاجتماعية جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية اللملكة العربية السعودية.
3- عبد الرزاق ،كريم ،سيد.(2022). اللامركزية الفرص والتحديات رؤية مقترحة لتطبيق اللامركزية في مصر.