أكثر من خمسة آلاف قطعة بمتحف” قديم التعليم ” تعود بالزمن إلى مرحلة البدايات
يختصر “متحف قديم التعليم ” بالرياض مسيرة قرن من الزمان موثقاً قصة التعليم في المملكة والمراحل المتعاقبة بلغة تتحدث عن واقعها مقتنيات تجاوزت خمسة آلاف قطعة استخدمت في فترات متعاقبة بدءاً من التعليم التقليدي عبر الكتاتيب والدور التعليمية التي تعنى بتدريس علوم القرآن الكريم والقراءة، مروراً بفترة أول نظام للتعليم عندما أُنشئت مديرية المعارف 1926م، بلوغاً لمرحلة التعليم النظامي الحديث بإعلان إنشاء وزارة المعارف عام 1953 م، وفيما بعد وزارة التعليم.
فكرة المتحف جاءت بمبادرة شخصية من المعلم علي المبيريك بدأها قبل أكثر من 25 عاماً، بجمع وحفظ آلاف المقتنيات والوسائل التعليمية والوثائق، ليؤسس متحفه الذي يُعد اليوم أحد المتاحف المتخصصة الثرية مقتطعاً لها مساحة 300 متر مربع من منزله شرق العاصمة بحي الفيحاء ومرخصاً من جهة الاختصاص ، ويدار بجهود ذاتية من خلال العناية والنظافة وأعمال الترميم للمقتنيات واستقبال الزوار من مختلف الفئات لا سيما المختصين فالمتحف بمثابة مرجع مختص للباحثين والمهتمين.
“المبيريك” الذي يصنف أول معلم على مستوى العالم يقيم متحفاً خاصاً بالتعليم في منزله، يؤكد أن ” متحف قديم التعليم” مبادرة وطنية لحفظ تاريخ التعليم السعودي، استوحى فكرتها من خلال زياراته للمتاحف المعنية بالتراث المادي ومع ملاحظته عدم الاهتمام بجانب التعليم، تولدت لديه فكرة جمع الوسائل والأدوات التعليمية وكل ماله علاقة بتوثيق تاريخ التعليم من مختلف مناطق المملكة لاسيما وأنه من وسط البيئة التعليمية وعمل داخل فصولها معلماً متنقلاً بين عدة مدارس.
ويحتوي المتحف على نوادر التعليم بعضها يعود إلى أكثر من 10 عقود خلال مرحلة التوحيد على يد الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود – رحمه الله -، إلى جانب الوثائق والأدوات والوسائل والسجلات والصور ذات الصلة التي تعد مرجعاً بحد ذاتها، في الوقت الذي تشكل فيه زيارة المتحف رحلة شيقة تعيد ذكريات التعليم ومقاعد الدراسة.
وحرص “المبيريك” على اقتناء القطع والوثائق الأصلية وهو ما تطلب منه جهداً مضاعفاً من خلال البحث وحضور المزادات التراثية، وشراء بعض المقتنيات النادرة بمبالغ عالية، فضلاً عن زيارة المدارس في مختلف المناطق لجمع محتويات المتحف المتميز بتنوع أقسامه وتطرقه لمجالات ومكونات العملية التعليمية.
وعبر تسلسل زمني يمضى الزائر في رحلة وافرة المعرفة تربط الماضي مع واقع التعليم اليوم بوسائله التقنية وأدواته ومضامين مناهجه العصرية، يجوب خلالها 32 قسماً تبدأ بقسم المناهج التعليمية للكثير من المواد الدراسية القديمة والنادرة، شاملة مدارس التعليم العام الابتدائي والمتوسط والثانوي. ومناهج معاهد المعلمين والمعاهد العلمية ومحو الأمية.
وتشمل الأقسام الأدوات المستخدمة في الماضي من أقلام ومحابر وحقائب أندرها محبرة مصنوعة من خشب الأثل تعود لأكثر من 75 عاماً، كذلك تجسيد للفصول الدارسية بداية من الدراسة جلوساً على البساط “الحنبل” مروراً بالطاولات المتصلة المزدوجة وحتى أشكال الطاولات المفردة المنتظمة أمام سبورة الطباشير، فضلاً عن الوسائل التعليمية مثل الخرائط وغيرها من الوسائط.
وتكشف معروضات المتحف عن الحراك الفكري والثقافي في الوسط التعليمي من خلال المجلات وصفحات من نوادرها كانت تصدرها المدارس ضمن أنشطتها الطلابية من إعداد الموهوبين في مجال الكتابة، كذلك مقالات لعدد من الشخصيات البارزة، ومنها العدد الأول من مجلة ثانوية اليمامة إحدى المدارس العريقة بمدينة الرياض، فيما خصص قسم للوثائق الإدارية والمكاتبات ومنها مسير رواتب المدير والمعلمين في إحدى المدارس عام 1376هـ، ومخطوطة لمنهج دراسي قبل طباعته يعود لعام 1375هـ، وسجل استعارة كتب من المكتبة المدرسية عام 1375هـ.
ويبرز المتحف مدى العناية بالطالب صحياً وبدنياً من خلال توفير وجبات التغذية المدرسية خلال فترة التسعينات الهجرية، في حين يظهر قسم التربية الرياضية العناية والتركيز الكبير على الألعاب والأنشطة الرياضية بما فيها تنظيم المسابقات والاحتفالات على مستوى المدراس وأشمل على مستوى المناطق التعليمية في العديد من الألعاب الجماعية والفردية، وتجد في هذا القسم أشكالاً من الكؤوس والميداليات والصور التاريخية ونماذج من الملابس والأحذية الرياضية التي كانت توزع على الطلاب.
وتتواصل الرحلة الشيقة في المتحف فتشاهد محتويات قسم الصحافة الخاص بأخبار التعليم قديماً في الصحافة المحلية، أما قسم المباني المدرسية فيعرض صوراً لنماذج المدارس وأقدمها في مختلف مناطق المملكة.
ويشكل ” متحف قديم التعليم ” أيقونة مختلفة في عالم المتاحف تكشف عن تجربة ثرية ومسيرة حافلة للتعليم السعودي جوهرها بناء الإنسان جيلاً بعد جيل، تثير في مضمونها ذكريات مقاعد الدراسة.