مَنْ فَتَحَ مَدْرَسَةً ؛ أَقْفَلَ سِجْنَاً !!



عبدالمحسن محمد الحارثي

هذا المثل لهُ عِدَّة تحليلات ، منها : أنَّ المدارس فُسْحة العقول ، أو أنَّ الحياة بلا تعليم سجنٌ كبير ، أو أنَّ العقول حبيسة الجهل ، أو أنَّ الجهل سجنٌ مُؤبَّد .

أمسى أجدادنا وجدَّاتنا أُميين لا يقرؤون ولا يكتبون ، وأصبح آباؤنا وأُمهاتنا متعلمين ، واليوم مَنْ مِنَّا لا يُتقن التقنية والتعامل مع الحاسب الآلي ؛ فهو أُمي .. وهذا دليل على التغيرات المُتسارعة في الوسط التعليمي ، وضرورة التطوير والتحسين والفصل بين النظري والتطبيقي ، وخصخصة العملي !!

سأشهدُ بما أعرف ، ولن أشهدَ على ما لا أعرف ، ولأنَّني مكثتُ في هذه المدارس طالباً ومُعلِّماً قُرابة الـ ستة عقود .

نعلمُ أنَّ غاية العِلْم الخير ، وهذه المدارس تَعُدُّ أجيالاً تنفع البلاد والعباد ، والتعليم فيها هو جواز السَّفر إلى المُستقبل للفرد ، للجماعة ، والوطن .

الواقع.. الإقبال إليها إدبار ، والخروج منها فرج ، والعودة إليها إكتئاب .. إنَّها مدارسنا في حلَّتها التقليديَّة ، تسحيب أقدام في الصَّباح ، وحط رِجِل في الظهيرة .

حقيقة لا ينكرها إلا مُتزلِّف ، ولا يعقلها إلا مُنصف .

إنها حقيقة مدارسنا التي تُشبه السجون ، وكأنَّنا أبدلنا سجون الحياة الفسيحة في الهواء الطلق ، بسجون ضيقة تحت هبهبة المكيفات .

كي نصل إلى تعليم مميَّز ؛ علينا أولاً كسر الروتين ، فإنْ تم ذلك مراراً وتكراراً ولم نصل للمنشود ؛ فعلينا كسر لُبّ القشرة ، ولا يُمكن تحقيق النجاح إلا إذا أحببتَ ما تقوم به ، كما قال ” ديل كارنجي”.

حقيقةً ينطبق على تعليمنا قول الشاعر الجاهلي :
ما أرانا نقول إلا معاراً ….. أو معاداً من لفظنا مكرورا .
يقول عباس العقاد : ( ما الإرادة إلا كالسيف بصدئهِ الإهمال ، ويشحذهُ الضرب والنزال ).

ونحنُ اليوم في عامنا التاسع منذُ بدء رؤيتنا المُباركة 2030م ، كل شيء في تطوَّر وتحسَّن في كل مناحي الحياة إلا في تعليمنا ، هناك طواف ، لكنََّهُ لم يتَّجه للمسعى .

هل التطوير والتحسين في المنهج العام للتعليم بابه مُغلق ومفتاحه ضائع ؟!
أم أنَّ هُناك خللاً في البداية ، حيث بدأنا من حيث انتهى كل الوزراء السابقين للتعليم ؟!
ما هذا التخبُّط وما هذه العشوائية ؟!
متى يبقى في عقولنا ما تعلمناهُ في المدرسة ؟!
متى يتم الركض في الصباح إلى المدرسة ؟!

نفتقد الجاذبية في مدارسنا ، لأنَّ المُتشابهين متنافران ، والمتنافران متشابهان كالمغناطيس ، فلا يمكن لهما الالتصاق وولادة عنصر الجذب إلا إذا اختلفا ، والاختلاف في التعليم هو بداية التطوير والتحسين !!

ما دامت مدارسنا تفتقد لعُنصر الحذب ؛ فلن يكون هناك إقبال ، وإذا قلَّ الإقبال قلَّ الانتاج .

هل دهن العقول العامَّة بالفُرشة دون صنفرة مُجْدي ؟!
وماذا عن العقول المولودة مصنفرة من خالقها ؟!
هل تكفي لبناء الوطن ؟ أم أنَّ الجميع في بناء الوطن متساوون ؟!

أسئلة كثيرة والإجابة عليها يجب أنْ تكون كبيرة ؛ حتَّى لا تتصرَّم سنين الرؤية ويبقى تعليمنا حبيس العقول المُغلقة .