أبطال «الدفاع» درع حصين رافق مسيرة «التوحيد»



عزم وهمة .. نواة التوحيد تاريخ مشهود

 تجلى فيه التكاتف بين رجال مخلصين تحت راية قائد فذ شجاع رزين؛ لينبلج نور أزاح غمة الخوف والشتات في أرجاء الجزيرة العربية، فعتادهم حينها السيوف والرماح، وركوبهم الخيل والجمال، فقد اعتلوا جبالها، ومشوا في سهولها وبطون أوديتها، رجال أوفياء من أبنائها الحاضرة والبادية اتحدوا تحت راية «المؤسس»، فوحدوا هذه البلاد، ليعم الأمن فيها، فكانوا نواة «الدفاع» للذود عن أقطارها.

 مسيرة النصر والشجاعة التي قادها الملك عبدالعزيز – رحمه الله- من الكويت باتجاه الرياض وفي معيته 60 رجلاً، -نواة الجيش العربي السعودي-، متواضعين في العدد والعتاد، إلا أن الشجاعة والحق الأبلج، و 40 رجلًا منهم كان كافيًا لتحقيق النصر واستعادة الرياض.

 توحيد أقاليم المملكة

 وزاد عدد المحاربين مع الملك عبدالعزيز -رحمه الله- حتى تم تنفيذ أولى خطوات تنظيم الجيش العربي السعودي – آنذاك – بإيجاد فرق محاربين تم تشكيلها وهي: «جيش الجهاد» من رجال الحاضرة، و«جيش الإخوان» من رجال البادية، فقد استمر ذلك حتى انتهت مرحلة توحيد أقاليم المملكة، ليشرع الملك عبدالعزيز -رحمه الله – بإعادة تنظيم الحاميات العسكرية الموجودة سابقًا في الحجاز، فصدر تشكيل مفرزة ينبع، وذلك في الـ 23 من شوال من عام 1344هـ، حيث تتكون من قسم مدفعية، وقسم رشاش ، ليتم بعد ذلك صدور تشكيل حامية جدة بتاريخ 20 ربيع الآخر 1345هـ .

 تنظيمات تحقق التطلعات

 وفي عام 1348هـ – 1929م برؤية ثاقبة لجلالته بتدعيم الجيش بالسلاح وإيجاد تنظيمات جديدة تحقق التطلعات، أمر -رحمه الله- بتشكيل أول نواة لوحدات الجيش السعودي النظامي تتكون من ثلاثة قطاعات وهي: أفواج المشاة، والمدفعية، والرشاشات، حيث يعادل الفوج كتيبةً بوقتنا الراهن، ويتراوح عدد أفراده من 659 إلى 962 فردًا، وكان قطاع الرشاش يتكون من أربع سرايا، ويبلغ عدد أفراد السرية قرابة 112 فردًا، ويتضمن القطاع ثمان قطع رشاش منها أسلحة غنمها الملك عبدالعزيز -رحمه الله- من خلال المعارك التي خاضها في كفاحه، وقد نمت هذه القوة النظامية تدريجيًا بجانب جيشي «الجهاد» و«الإخوان» إلى أن أسس الملك عبدالعزيز -رحمه الله- بالعام ذاته مديرية للأمور العسكرية تُعنى بشؤون الجند، وتشرف على أمور هذه القوة النظامية، وكان مقرها الرئيسي في مكة المكرمة، وتتبع وكالة المالية في ذلك الوقت، حيث كانت أول بداية لتكوين الجيش النظامي.

 تطور المنظومة الدفاعية

 وشهدت القوات النظامية زيادة في عددها ومهامها الإدارية والتنظيمية، حتى استوجب تشكيل وكالة للدفاع مع استمرار وجود مديرية الأمور العسكرية وذلك في عام 1353هـ الموافق 1934م وتسمية الطائف مقرًا لها، وتعيين الشيخ عبدالله بن سليمان أول وكيل لوكالة الدفاع، فيما رافق ذلك التشكيل إعادة تشكيل وحدات الجيش إلى سلاح المشاة، وسلاح المدفعية، وسلاح الفرسان، وشكلت منها أفواج (كتائب)، وألوية دُعِّمَت بأفضل الأسلحة -آنذاك- من رشاشات، ومدافع، إضافةً لتزويدها بوسائل نقل، وأجهزة لاسلكية، وُزِّعَت على أنحاء المملكة حسب الحاجة الدفاعية، وأنشئ لها مدرسة عسكرية في الطائف لتخريج العسكريين وتدريبهم، إلا أنها ألغيت فيما بعد لانتفاء الحاجة إليها.

 ففي عام 1355هـ – 1936م، أُعيد تشكيل المدرسة العسكرية في الطائف التي أصبحت مركزًا للتدريب، وفي عام 1358هـ، أُلغيت مديرية الأمور العسكرية وشكلت بدلًا عنها «رئاسة أركان حرب الجيش» المرتبطة بوكالة الدفاع، وتعيين محمد طارق الأفريقي رئيساً لها؛ حيث شرعت الرئاسة بتنظيم الجيش، وتوحيد الزي العسكري لمنسوبيه، وتحديد الشارات المميزة له، كما تم تشكيل أول فرقة مدرعة سميت بـ «الفرقة الأولى المدرعة للجيش»، وألحقت بالحرس الملكي بمدينة الرياض، وشكلت بعد ذلك الفرقة الأولى للخيالة (الفرسان)، وأول فوج مشاة متكامل، وبعد ذلك انتقل مقر «رئاسة أركان حرب الجيش» إلى مدينة الرياض تبعًا لوكالة الدفاع.

 إنشاء وزارة الدفاع

 ونتيجة للتوسع الهائل في أعمال الدفاع، وزيادة متطلباته صدر مرسوم ملكي بتاريخ 05 ذو القعدة 1363هـ الموافق 10 نوفمبر 1943م يقتضي إنشاء وزارة للدفاع والمفتشية العامة لتحل بدلًا عن وكالة الدفاع، وتعيين صاحب السمو الملكي الأمير منصور بن عبدالعزيز -رحمه الله- أول وزير لها، وأسست أولى المدارس للإشارة، واللاسلكي، ومدرسة للصحة والإسعاف، ليكتمل تأسيس اللبنة الأولى للجيش العربي السعودي، والقوات البرية.

 وبعد وفاة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله- استمر أبناؤه الملوك من بعده في تدعيم وتطوير الجيش السعودي، وإحداث قوات متخصصة لحماية أراضي المملكة وتدعيمها بأحدث الأسلحة وتأهيل منسوبيها على أفضل الممارسات.

 القوات البرية

 وفي تاريخ 03 جمادى الثاني 1382هـ الموافق 31 أكتوبر 1962م، بدأ العصر الحديث للجيش السعودي بصدور الأمر السامي بتعيين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز -رحمه الله- وزيرًا للدفاع والطيران ومفتشًا عامًا للجيش، حيث أصدر -رحمه الله- توجيهاته بتعديل مسمى «الجيش العربي السعودي» إلى «القوات البرية الملكية السعودية»، وذلك بتاريخ 27 ذو الحجة 1396هـ، وإعادة تشكيل رئاسة أركان حرب الجيش لتصبح «رئاسة هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة السعودية».

 القوات الجوية

 ولتأمين أجواء البلاد أهمية بالغة منذ عهد الملك عبدالعزيز -رحمه الله-، حيث تم أول مشروع لامتلاك المملكة لطائرات مقاتلة من طرازي «وستلاند» و«ابيتي» البريطانية في عام 1348هـ – 1929م، واقتصرت مهامها على المراقبة والاستطلاع من أول قاعدة جوية بجزيرة دارين في المنطقة الشرقية، فيما أصدر أمره الكريم بنقلها إلى مدينة جدة وإنشاء أول مدرسة سعودية للطيران لتعليم وتدريب قيادة الطائرات وصيانتها، وذلك في عام 1349هـ الموافق 1930م.

 بعد توحيد المملكة

 واستمرارًا لتطوير سلاح الطيران الحربي طلب جلالة الملك عبدالعزيز -رحمه الله- من الحكومة البريطانية تدريب وتطوير أطقم الطيران، حيث تمتلك المملكة – آنذاك- القليل من الطائرات الحربية، وجرى ابتعاث أول عشرة خريجين سعوديين بعد أن دُرِّبُوا في الطائف إلى بريطانيا في عام 1368هـ.

 بعد تعيين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز -رحمه الله- وزيرًا للدفاع والطيران ومفتشًا عامًا، نُقِل سلاح الطيران من مدينة جدة إلى مدينة الرياض وتغيير مسماها من مديرية سلاح الطيران إلى سلاح الطيران الجوي الملكي السعودي بعد فصل الطيران المدني عنها، قبل تغيير مسماه لاحقًا إلى القوات الجوية الملكية السعودية.

 وشهدت القوات الجوية العديد من القفزات في التسليح وامتلاك العديد من الطائرات التدريبية، والمقاتلة والتي تعد من أفضل الطائرات في العالم، حتى أضحت القوات الجوية في مصاف نظيراتها في العالم.

 الدفاع الجوي

 تماشياً مع التطور الحديث، ولما تحظى به المملكة من مقومات ومناطق حيوية ومناطق حساسة تمثل مصادر للثروة تستوجب الحماية، فقد بدأت المملكة في إنشاء قوة للدفاع الجوي، وذلك في عام 1375هـ ضمن تشكيل سلاح المدفعية بالقوات البرية، واشترت مدفع عيار 30 ملم و40 ملم، ودُرِّب الضباط السعوديون في مدرسة المدفعية بالطائف، وجمهورية مصر العربية على استخدام تلك المدافع -آنذاك-، فيما تقرر فصلها عن سلاح المدفعية في عام 1386هـ، وأصبـح سلاحًا مستقلًا، وذلك بعدما اتسعت تشكيلاته ومهامه، ليصدر الأمر السامي الكريم بأن يكون الدفاع الجوي قوة مستقلة متخصصة رابعة باسم «قوات الدفاع الجوي الملكي السعودي» وذلك في عام 1404ه.

 وتقوم قوات الدفاع الجوي بحماية مقدرات المملكة واعتراض كل ما يهدد أمن المملكة جوًا، وذلك بسواعد أبنائها خريجي كلية الملك عبدالله للدفاع الجوي، ومعهد قوات الدفاع الجوي، ومدرسة قوات الدفاع الجوي.

 القوات البحرية

 ولما تتميز به حدود المملكة بوجود سواحل بحرية ممتدة على الخليج العربي والبحر الأحمر وخليج العقبة، وإدراكًا من قادة هذه البلاد المباركة بضرورة إنشاء قوة بحرية مهمتها الحفاظ على أمن وسلامة أراضي المملكة والبحار الإقليمية لها؛ جاء إنشاء القوات البحرية الملكية السعودية بين عام 1376هـ و 1377هـ وسميت آنذاك بسلاح البحرية، وفي عام 1380هـ انضم زورق الرياض إلى الخدمة في القوات البحرية ليكون أول قطعة بحرية تمتلكها القوات البحرية، ومنذ ذلك الحين استطاعت المملكة إحداث نقلات كبيرة في تطوير ترسانتها العسكرية والبحرية.

 وإيمانًا من القوات البحرية الملكية السعودية بأهمية التأهيل والتعليم والتدريب للكوادر البشرية عمدت إلى إنشاء كلية الملك فهد البحرية، ومعهد الدراسات الفنية لقوات البحرية، ومدارس القوات البحرية، ومدرسة مشاة البحرية، ومدرسة وحدات الأمن البحرية الخاصة، بالإضافة إلى مراكز التدريب البحري لتدريب وتأهيل العسكريين من ضباط وأفراد.

 قوات في مصاف العالمية

 وتحظى اليوم وزارة الدفاع بجميع قواتها وأفرعها باهتمام بالغ من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظهما الله-، وذلك بإشراف ومتابعة حثيثة من صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلمان بن عبدالعزيز وزير الدفاع للوصول بها إلى مصاف أوائل القوات المسلحة في العالم، وذلك من خلال وثيقة تطوير وزارة الدفاع المشتملة على رؤية وإستراتيجية جديدة، ونموذج تشغيلي مستهدف للتطوير، وهيكل تنظيمي، وحوكمة ومتطلبات للموارد البشرية أُعدت على ضوء إستراتيجية الدفاع الوطني.

 دفاعنا .. أمننا

 بفضل من الله ومنته تبرز وزارة الدفاع كوزارة سيادية مدعمة بالكفاءات والقدرات والإمكانات التي تُمكنها من أداء دورها في حفظ أمن الوطن وصون مقدراته وثرواته مشكلة درعًا حصينًا يقف أمام كل من تسول له نفسه المساس بحدود الوطن ومكتسباته.