“دخن الباحة”.. إرثٌ زراعي غني توارثه الشباب عن الأجداد



حكاية كفاح وعطاء صاغ تفاصيلها المزارع حسين الغامدي عبر تطويع طبيعة جبال شدا وبيئتها بمحافظة المخواة العسيرة؛ لتوفير متطلباته وأسرته المعيشية، فتمكن من جعل مدرجاتها الزراعية ومنحدراتها الجبلية، سلة غذاء متنوعة المحاصيل.

 وروى الغامدي ذو الثمانين ربيعًا تجربته لـ “هيئة وكالة الأنباء السعودية”، قائلًا: “أعمل في حرفة الزراعة منذ أكثر من 7 عقود، وهذه المزارع شاهدة على ارتباطي بالأرض، وما زالت تحكي قصتي في بنائها حجرًا حجرًا، وزرعتها بأنواع المحاصيل عمومًا، والدخن خصوصًا، ولا يزال هذا الارتباط مستمرًا، من خلال توارث الأجيال لهذه المهنة القديمة حبًا وشغفًا، مستفيدين من مقومات المنطقة البيئية كخصوبة التربة، ووفرة المياه، وصولًا إلى الابتكار والإبداع في أساليب وطرق الزراعة الحديثة عبر تطويرها.

 وتعد زراعة “الدخن” من أهم المحاصيل التي يشتهر بها شدا وغيرها من المواقع بالقطاع التهامي بالمنطقة، ويُعتمد عليها في إعداد الأكلات الشعبية التي يفضلها معظم أفراد الأسرة.

 ولم تكن حراثة الأرض وزراعتها وحصادها بالأمر السهل للمزارع قديمًا كما هو الحال هذه الأيام مع توفر الأدوات والتقنيات الحديثة، حيث كانت زراعة الدخن قديمًا تبدأ بحرث الأبقار للمزارع ثم نثر حبوب الدخن بشكل مستقيم ثم متابعتها على مدار 3 أشهر ثم حصدها، وفركها باليد أو دوسها بالثيران لتخرج الحبوب صافية من العذوق لتنشر في مساحة مسطحة من الأرض حتى تجف، وبعدها تبدأ عملية تصفية الحبوب من أي شوائب ثم تطحن على الرحى؛ لتكون جاهزة للطهي إما على شكل خبز وإما عصيدة أو عريكها، أو يخزن في بيوت تسمى مدافن على شكل خزانات محكمة، ويدّخر ما يفيض تحسبًا لسنوات عجاف قد تفرضها قلة الأمطار وشح المياه في بعض المواسم.

 وتشتهر قرية أهل ساحة بشدا الأسفل بالأجواء المناسبة لزراعة الدخن، حيث تتراوح درجة حرارة من 25 – 30°م، إضافة إلى الاستفادة من المدرجات الزراعية التي تسهم في الحد من الانسيال السطحي لمياه المطر والري، وتعمل على توفير المياه اللازمة.

 وتنتج شجرة الدخن – بحسب المزارع الغامدي – أكثر من 10 عذوق مختلفة الحجم والكمية، طول سيقانها بعد نضجها تتراوح بين متر و 130 سم، فيما يبلغ إنتاج المزارع أكثر من 420 كيلوًا، وتشهد أسعاره تباينًا بالأسواق.

 وعن فوائد الدخن الصحية، أوضحت أستاذة التغذية التطبيقية بجامعة الباحة الدكتورة لبنى سعد عبدالمجيد، أن نبات الدخن مصدر جيد للكربوهيدرات والألياف والفيتامينات والمعادن والمركبات العضوية التي تعزز من صحة الإنسان، مبينة أنه يمكن استخدام حبوب الدخن حبوبًا تقليدية ويمكن استعمالها أيضًا في العصيدة والوجبات الخفيفة وأنواع الخبز المختلفة، والدُخن مصدر جيد للمعادن والألياف الغذائية ومضادات الأكسدة والبروتينات، وخيار جيد للأشخاص الذين يعانون ارتفاع سكر الدم نظرًا إلى ما يتميز به من انخفاض في مؤشر السكر، كما أنّ الدُخن خالٍ من الغلوتين ومصدر ممتاز وفعّال من حيث توافر الحديد بالنسبة إلى الأنماط الغذائية التي تتسم بنقص الحديد.

 ويحرص فرع وزارة البيئة والمياه والزراعة على تعزيز الوعي بمنتج الدخن، وفوائده الغذائية، وتطوير زراعته، من خلال استخدام التقنيات الحديثة في زراعته وحصاده، وتعزيز الصناعة التحويلية له، إضافة إلى زيادة الرقعة الزراعية، وتعظيم الاستفادة من المناطق ذات الميز النسبية في الإنتاج، للإسهام في تعزيز الأمن الغذائي.

 يذكر أن شجرة الدخن باتت جزءًا مهمًا من الهوية الزراعية والسياحية للمنطقة، حيث يوجد أكثر من 40 مزرعة قائمة بالقطاع التهامي الذي يزخر بمقومات طبيعية من حيث الأجواء والتربة الصالحة للزراعة ووفرة المياه الجوفية، إضافة إلى شغف إنسان المنطقة والمحفزات والدعم بتطوير الممارسات الزراعية ورفع جودة المنتج وكفاءة التسويق وزيادة الأرباح، وإطلاق مهرجان الدخن السنوي بالمخواة، استنهضت همم الشباب وشجعتهم على إحياء مزارع الدخن التي توارثوها عن الأجداد.