«السعودية» تواصل موقفها الحازم ضد تهجير الفلسطينيين من غزة
د . سهام سوقية
لطالما كانت المملكة العربية السعودية داعماً رئيسياً للقضية الفلسطينية ولم يكن هذا الدعم مجرد مواقف سياسية عابرة بل نهجاً استراتيجياً ثابتاً اتبعه ملوك المملكة منذ تأسيسها على يد الملك عبد العزيز آل سعود وحتى اليوم بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان حفظهما الله في ظل التحديات الراهنة وخاصة الضغوط الإسرائيلية الأمريكية الساعية إلى تهجير الفلسطينيين من غزة تؤكد السعودية مجدداً موقفها الحازم والرافض لأي مشروع يستهدف تصفية القضية الفلسطينية .
سوف نستذكر مواقف ملوك السعودية حول القضية الفلسطينية :
مواقف راسخة عبر التاريخ
1- الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله (1932 – 1953)
رفض الاعتراف بإسرائيل
كان الملك عبد العزيز آل سعود من أوائل القادة الذين رفضوا الاعتراف بإسرائيل في الأمم المتحدة وكان حازماً في هذا الموقف منذ بداية تأسيس الدولة الصهيونية .
ففي مؤتمر لندن 1939 كان الملك عبد العزيز مشاركاً في هذا المؤتمر حيث كان أحد القادة الذين عبّروا عن رفضهم الصريح للمشروع الصهيوني والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وكان الملك عبد العزيز يطالب الدول الكبرى بإيجاد حل عادل للشعب الفلسطيني وكان يرفض كافة المحاولات التي تسعى لتقليص حقوق الفلسطينيين .
وعلى المستوى الدولي عمل الملك عبد العزيز على تحذير القوى الكبرى من أن دعم إسرائيل سيؤدي إلى مزيد من النزاع في المنطقة واستمر في استخدام علاقاته الدبلوماسية مع بريطانيا والولايات المتحدة للضغط في هذا الاتجاه .
كانت المملكة العربية السعودية تحت قيادته حريصة على تأكيد موقفها الثابت تجاه حقوق الفلسطينيين في أي محفل دولي .
2- الملك سعود بن عبد العزيز رحمه الله (1953 – 1964) استمرار الدعم السياسي والمالي
حرب 1956 – العدوان الثلاثي
خلال العدوان الثلاثي على مصر من قبل بريطانيا وفرنسا وإسرائيل كان للملك سعود بن عبد العزيز موقف دبلوماسي حاسم حيث دعمت المملكة السعودية مصر بشكل سياسي ودبلوماسي وأعربت عن موقفها الثابت ضد العدوان الإسرائيلي كما كانت السعودية من بين الدول التي رفعت القضية الفلسطينية على جدول أعمال الأمم المتحدة .
وأشار الملك سعود في العديد من الخطابات الدولية إلى أن القضية الفلسطينية هي قضية عربية ودولية أساسية وأن الدعم الدولي لفلسطين يجب أن يكون مستمر حتى يتم منح الفلسطينيين حقوقهم المشروعة .
كذلك في مؤتمرات الأمم المتحدة كانت المملكة تحت قيادة الملك سعود تعد واحدة من أقوى الدول المساندة لحقوق الفلسطينيين .
3- الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله (1964 – 1975)
استخدم سلاح النفط
في عام 1973 – قاد الملك فيصل بن عبد العزيز المواقف العربية الحاسمة ضد الدول الغربية التي تدعم إسرائيل حيث استخدم سلاح النفط في حرب أكتوبر عبر وقف تصدير النفط للدول التي تدعم إسرائيل.
هذه الخطوة شكلت ضغطاً هائلاً على الولايات المتحدة وأوروبا وأدى إلى أزمة طاقة عالمية ما أجبر الدول الكبرى على إعادة النظر في سياستها تجاه إسرائيل.
على الصعيد الدولي كانت هذه المبادرة بمثابة تحرك استراتيجي لضمان أن القضية الفلسطينية تحظى بالاهتمام الدولي الذي تستحقه .
فقد قدمت المملكة السعودية رسالة واضحة للمجتمع الدولي أن القضية الفلسطينية هي قضية محورية للأمن العالمي.
وكان الملك فيصل من أبرز القادة الذين طالبوا بتوفير الحماية الدولية للفلسطينيين ..كما كانت المملكة العربية السعودية تسعى إلى تعزيز الدعم العربي في المحافل الدولية وكان الملك فيصل يقود هذه الجهود بتوجيهات استراتيجية لضمان حقوق الفلسطينيين.
في مناسبات متعددة أكد الملك فيصل في الأمم المتحدة أن فلسطين هي قلب القضايا العربية والإسلامية وكان له تأثير واضح في وضع فلسطين في صلب السياسة الدولية .
4- الملك خالد بن عبد العزيز رحمه الله (1975 – 1982)
دعم منظمة التحرير الفلسطينية
في 1978 خلال قمة بغداد قدم الملك خالد بن عبد العزيز دعمه الكامل لمنظمة التحرير الفلسطينية كالممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.
وعمل على تفعيل دور منظمة التحرير الفلسطينية في الجامعة العربية والأمم المتحدة بما يضمن تمثيل الفلسطينيين بشكل فعال في الساحة الدولية و استمر الملك خالد في دعم الحقوق الفلسطينية على مستوى الأمم المتحدة حيث كانت المملكة داعمة للقرارات التي تضمن حقوق الفلسطينيين خاصة في ما يتعلق بالقدس وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
5- الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله (1982 – 2005)
مبادرة السلام الأولى
في عام 1981 قدم الملك فهد المبادرة السعودية للسلام التي دعمت حل الدولتين بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
كانت هذه المبادرة نقلة نوعية في المواقف السياسية الدولية حيث دعت إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية بالإضافة إلى انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية.
كانت المملكة تحت قيادته تقدم دعم مستمر للفلسطينيين في مختلف المنابر الدولية كما قدم الملك فهد دعم دبلوماسي قوي ضد أي محاولات للمساس بحقوق الفلسطينيين وكان له دور بارز في تشكيل الإجماع العربي والعالمي في محافل الأمم المتحدة .
6- الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله (2005 – 2015)
مبادرة السلام العربية
في قمة بيروت 2002 قدم الملك عبد الله بن عبد العزيز المبادرة العربية للسلام التي كانت بمثابة خطة شاملة لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني المبادرة دعمت حل الدولتين وتطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل مقابل انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية.
هذه المبادرة كانت بمثابة تجديد للموقف السعودي الثابت تجاه القضية الفلسطينية على الصعيدين العربي والدولي حيث لاقت دعماً من معظم الدول العربية والإسلامية وكان لها تأثير دولي في الضغط على إسرائيل لتقديم التنازلات من أجل سلام عادل .
كان للملك عبد الله دور بارز في دعم الفلسطينيين على كافة الأصعدة من خلال تقديم الدعم المالي والإنساني بالإضافة إلى تعزيز علاقات السعودية مع الدول الكبرى من أجل رفع قضية فلسطين في المنظمات الدولية .
7- الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله (2015 – حتى الآن)
موقف ثابت ورفض أي تهجير
في السنوات الأخيرة وعلى الرغم من الضغوط الدولية من بعض القوى الغربية لدعم اتفاقيات السلام مع إسرائيل حافظ الملك سلمان على موقف المملكة الثابت بخصوص الحقوق الفلسطينية .
واستخدم الملك سلمان نفوذ المملكة في مختلف المنظمات الدولية لإدانة أي اعتداءات إسرائيلية على الفلسطينيين كان يرفض أي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية كما استمر في دعم القدس كعاصمة لفلسطين.
وفي العديد من المواقف الدولية استخدم الملك سلمان علاقاته مع الدول الكبرى من أجل إعادة التأكيد على حقوق الفلسطينيين وخاصة في محافل الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي.
كانت المملكة تحت قيادته تعمل دوماً على حشد التأييد العربي والإسلامي لرفض أي حلول لا تلبي مطالب الفلسطينيين المشروعة .
8- الأمير محمد بن سلمان حفظه الله :
منذ أن تولى الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد في المملكة العربية السعودية اتخذ مواقف دولية قوية وحاسمة من القضية الفلسطينية مؤكداً على دعم المملكة الثابت والعميق للحقوق الفلسطينية في مختلف المحافل السياسية الاقتصادية والدبلوماسية وفي جميع اللقاءات الدولية التي شارك فيها سواء كانت في الأمم المتحدة أو منظمة التعاون الإسلامي أو في القمم العربية والدولية .
كان الأمير محمد بن سلمان يولي القضية الفلسطينية أولوية قصوى وقد أكد بشكل دائم أن القدس الشرقية يجب أن تكون عاصمة لدولة فلسطين داعياً إلى حل الدولتين كسبيل وحيد لتحقيق سلام عادل وشامل.
وفي قمة مكة 2019 أكد الأمير محمد بن سلمان على أن القضية الفلسطينية هي القضية الأولى في العالم العربي والإسلامي مشدداً على أن المملكة العربية السعودية ستظل الركيزة الأساسية التي تدافع عن حقوق الفلسطينيين محذراً من أن أي مسعى لتصفية القضية الفلسطينية أو تجاوز حقوق الفلسطينيين لن يتم قبوله.
في عام 2020 كان الأمير محمد بن سلمان من أوائل القادة الذين رفضوا ( صفقة القرن ) الأمريكية التي اقترحها الرئيس دونالد ترامب وقد أعلن بشكل واضح أن المملكة العربية السعودية لن تدعم أي خطة تهدف إلى المساس بحقوق الفلسطينيين وخاصة تلك التي لا تأخذ بعين الاعتبار القدس و الحدود الفلسطينية وفقاً لقرارات الشرعية الدولية.
في ذات السياق وقفت المملكة ضد محاولات إسرائيل للتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية وتهويد القدس مشددة على ضرورة الالتزام بالقرارات الأممية التي تقر بحقوق الشعب الفلسطيني.
وقد بذلت المملكة العربية السعودية جهوداً كبيرة لتعزيز الاعتراف الدولي بفلسطين عبر علاقاتها مع القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة – روسيا – والصين – مما ساعد في توسيع دائرة الدول التي تعترف بفلسطين
بما في ذلك في الاتحاد الأوروبي وأمريكا اللاتينية .
كما أكد الأمير محمد بن سلمان مراراً أن المملكة ستظل ثابتة في موقفها بعدم تطبيع العلاقات مع إسرائيل إلا بعد تحقيق حل عادل للقضية الفلسطينية وفقاً لقرارات الأمم المتحدة و مبادرة السلام العربية مؤكداً أن التطبيع يجب أن يكون مشروطاً بحل النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي.
أما في موضوع تهجير الفلسطينيين فقد كان الأمير محمد بن سلمان حازماً في رفض أي محاولات لتهجير الفلسطينيين وكان بيان الفجر واضحاً مؤكداً أن المملكة ترفض أي محاولة لتغيير التركيبة السكانية بالقوة مؤكداً أن المملكة ستستمر في دعمها لتحقيق وحدة عربية إسلامية من أجل تعزيز الموقف الفلسطيني في المحافل الدولية بالاضافة الدعم المالي الضخم لفلسطين حيث كانت المملكة أول من قدم مساعدات إنسانية لمساعدة الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية خاصة في الأوقات التي شهدت حصاراً اقتصادياً كما أن المملكة كانت الداعم الأول لوكالة الأونروا، التي تقدم الدعم للاجئين الفلسطينيين في مختلف مناطق الشرق الأوسط .
أهمية التكاتف مع المملكة العربية السعودية في مواجهة مخططات ترامب ونتنياهو
ففي ظل التحركات الإسرائيلية -الأمريكية التي يقودها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بدعم من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تستهدف المشاريع الحالية تغيير الواقع السياسي والجغرافي في المنطقة على حساب الفلسطينيين خاصة عبر محاولات التهجير القسري.
هذه المخططات تهدد مستقبل القضية الفلسطينية وتستهدف تغيير التركيبة السكانية في غزة والدول المجاورة.
في هذا السياق تبرز المملكة العربية السعودية كركيزة أساسية في مواجهة هذه المشاريع بموقعها الاستراتيجي على الساحة العربية والإسلامية وقوتها السياسية والدبلوماسية العالمية .
تمكنت السعودية من استخدام نفوذها لتشكيل رأي عام عالمي ضد هذه المخططات فالسعودية قوتها السياسية لا تقتصر على المواقف الحازمة في القضايا الإقليمية فقط بل تمتد لتشمل قدرتها على التأثير في القرارات الدولية مما يجعلها قوة لا يمكن تجاوزها في أي تسوية سياسية في المنطقة .
لذا فإن التكاتف مع السعودية اليوم يعد ضرورة استراتيجية لكل الدول العربية والإسلامية لحماية الحقوق الفلسطينية والحفاظ على استقرار المنطقة في مواجهة المشاريع التي تهدف إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط وفقاً لمصالح إسرائيلية وأمريكية ضيقة القوة السياسية والدبلوماسية للسعودية تضعها في موقع لا غنى عنه في الصراع الحالي ومن المهم أن تظل الدول العربية والإسلامية موحدة خلف المملكة لحماية مصالحها ومبادئها.