الاستخفاف بالدعاء عواقبه وخيمة



بقلم / عبد الفتاح أحمد الريس 

كيفما يكون الدعاء فإنه مُستجاب من لدن حكيم خبير جلّ في عُلاه ما لم يدعُ المُسلم بإثم أو قطيعة رحم أو يتعجل مصداقاً لقوله تعالى ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) ولأن المقام لا يتسع للحديث عن كافة جوانب هذا الموضوع المُهم ، فإننا سنقصر حديثنا على جانب واحد منه ممثلاً في الاستخفاف بالدعاء وما يترتب عليه من عواقب وخيمة لا مفر منها ، فأحد الأشخاص حينما طالبه مُقرضه بإعادة حقه المالي بعد أن طالت مدته ، فبدلاً من أن يشكره أو يعتذر له قال صارخاً (ما أنا مُسدد وأعلى ما في خيلك اركبه) وعندما قال له هذا المُقرض سأشكيك على الله رد عليه وبكل وقاحة وتبجح اشتكي من اليوم لبكرة ، فما مضى شهراً تقريباً إلا ويُصاب هذا الشخص الناكر للجميل بمرض غير معروف أودى بحياته.

أما ذلك الأب الذي دعا على أبنه بقوله : الله لا يردك لكونه لم يلبي طلبه وخرج من منزلهم مُتوجهاً لأصحابه ، فلم تمر دقائق معدودات إلا ويتلقى هذا الأب خبر وفاة ابنه من جراء حادث مروري مروع تعرض له بالمقربة من منزلهم ، فإلى الذين يستخفون بأمر الدعاء والذين غالباً ما يكونوا من جبابرة الأرض والمتسلطين والظالمين ،عليهم أن يدركوا تماماً خطورة ذلك على أنفسهم عاجلً أم آجلاً ، وأن يجعلوا مخافة الله أولاً نصب أعينهم في أقوالهم وأفعالهم ، فالله سبحانه وتعالى ليس بغافل عما يفعله الظالمون ، وليعلم الجميع مع هذا كله بأن الظلم لا يتوقف عند حد أكل أموال الناس بالباطل وإنما يشمل كل ما هو حق مشروع لأي كائن كان حتى لو كان كافراً ، فحرمان موظف من ترقية يستحقها من قبل مديره لأسباب شخصية يُعد ظلماً ، وحرمان زوجة من أرث زوجها بمبررات غير شرعية يُعد ظلماً أيضاً ، وينطبق ذلك على كل شركة أو مؤسسة لا تعطي موظفيها كامل حقوقهم المالية بما تم الاتفاق عليه قال الشافعي رحمه الله : أتهزأ بالدعاء وتزدريه وما تدري بما صنع الدعاء سهام الليل لا تُخطى ولكن لها أمد وللأمد انقضاء.

ولعلنا نختم مقالنا هذا بقصة تلك المرأة التي كلما دخل زوجها بيتهم سمعها تدعو على أبنائهما ولأتفه الأسباب أحياناً بقولها ( الله يُكسر شوكتكم ، الله يهد حيلكم ، الله ينتقم منكم ) ومع أنه حذرها من هذا الصنيع لأكثر من مرة إلا أنها لم تستجب ، فما كان منه وهو داخل البيت ذات مرة إلا أن قال (آمين) بنية الاستثارة لعواطفها لا بنية التأكيد ، لترد عليه وعلى الفور: ما الذي أصابك  يا رجل ؟ أترتاح إذا ما حصل لأبنائنا مكروه لا سمح الله ، فقال لها: لا بالطبع ، ولكن لماذا لا تقولين هذا لنفسك أولاً ؟ أما تعلمين بأن دعوة الوالدين مستجابة ! قالت: بلى غير أن هذا يخرج عن طوعي ، فقال لها : تخلصي من انفعالاتك الزائدة ، وألزمي ذكر الله والاستغفار والتعوذ من الشيطان الرجيم ، واستبدلي ذلكمُ الدعاء البغيض الذي أصبح لديك عادة سيئة بدعاء صالح يهديهم إلى سواء السبيل.

فكم من أناس على امتداد التاريخ تعثرت بهم سبل الحياة أو هلكوا وباءُ بغضب من الله من ناتج استخفافهم بدعاء من ظلموهم ، فالدعاء أمره عظيم وسلاح للمسلم وحصنه الحصين في جميع الأحوال والظروف ( فتن وحروب وفقر وأمراض وظلم وظلال ومكدرات ) وعكسها (صحة وسعادة وهداية وأمن واستقرار ورغد عيش) وفوق هذا وذاك اللجوء إلى الله بالدعاء لنيل رضاه والفوز بجنته والعتق من النار) جعلنا الله وإياكم من المتقين ، وممن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون (لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ) يونس64.