عندما يتكلم الصمت… تُزهر القصائد “الراية “تلتقي بالشاعرة صمت في لقاء من وهج الشعر وضياء الفكر



في زمنٍ قلّ فيه الحرف الصادق، وتوارى فيه بريق الشعر خلف ضجيج العابرين، برزت صمت الوايلية لا كـ أسم  عابر على خارطة الشعر، بل كقوة أدبية تنبع من أعماق الأصالة وتحمل في قلبها لغةً لا يتقنها إلا المبدعون… ولا يفك رموزها إلا من عرف كيف تُولد القصيدة من أنفاس الكبرياء.

هي ليست مجرّد شاعرة، بل سيدة الحرف المتمرد، وصوتٌ نسائيٌّ لا ينكسر، يُطوّع المفردة كما يُطوّع الفارس صهوة جواده، تتقن الصمت حين يعجز الضجيج عن التعبير، لكنها حين تنطق… تصمت الأقلام إجلالًا.

صمت الوايلية… الاسم الذي يشبه القصيدة حين تولد من رحم الألم ليرتوي كبرياء، ويمشي على أرض الشعر بثبات النجمات، تُبهر وتُدهش، تُعاتب وتُقاوم، وتترك خلفها أثرًا لا يُمحى…
وحين تكتب، فلا حديث بعد حروفها…

في هذا اللقاء الجميل ، نزيح الستار عن أسرار هذه الشاعرة الملثّمة بالعزّة، ونتعمق معها في رياض الإبداع، وردهات الفكر ، ونعرف كيف يتحوّل الصمت في عالمها إلى ضجيج يُكتب بماء الذهب .

– “صمت الوايلية”… صمتٌ يحمل ضجيج وطن، ومواقف أمة. ما سر هذا الاسم الذي تحوّل إلى بصمة لا تُنسى في المشهد الأدبي؟

أولاً أشكركم على هذه المقدمة الجميلة و التي سعدت وسررت بها وحملتني مسئولية أكثر عن ماسبق، وسأضل احملها عرفانا وشكرا واتشرف بهذه الكلمات والعبارات التي وصفتموني بها، راجيه ان اكون عند حسن الظن،
وان أستطيع تقدم مايليق بصحيفتكم الراقية وجهودكم المتميزة …

وبالنسبة للسؤال فإن الإجابة بإختصار، (صمت) هي حالة وجدانية كامنه في خلجات وخفايا النفس لن تستطيع ترجمة مدلولها أي لغة عدّى لغة الشعر.. لهذا يتكلم الحرف ويعبر عن كل مايجول بالفكر والخواطر بل ويتحول إلى ترسانة قوة كامنه تظهر حين يتوجب عليها الظهور فإن نطق الحرف فليس للكلام داع حينئذ ، ولا لنبرة الصوت تأثيراً… لذا يتوجب الصمت لكونه ملاذاً دائماً للبعد عن كل مايؤثر في النفس ولاينفع فيه الكلاااام..!
فهو أحيانا كثيرة أبلغ جواب لكثير من الأسئلة..!! بل هو جواب لمن ليس له جواب، وهو ملاذ آمن لخلجات النفس ومشاعرها..!
لا يستنطقه سوى الحرف الشعري الصادق .

–  من القصيدة إلى المنصة، ومن الحرف إلى المنهج… كيف توفّقين بين كونك شاعرة وناقدة وكاتبة وإعلامية، وفي ذات الوقت أستاذة تربوية بخبرة تفوق ربع قرن؟

التربية والتعليم تسهلان وتبدوان أكثر فاعلية عندما يكون للأدب والكتابة تأثير في سلوك المعلم او المعلمة.! فالأدب اساس _والشعر جزء منه_ يهذب اللغة ويوسع مدارك المعلم ويستطيع بكل سهولة التعبير عن مايريد ، وكذا تفسير كثير من مشاعر الطلاب وفهم مايجول بخواطرهم من خلال التمرس وتدريبهم على التعبير عن النفس شعرا ونثرا، اما الكتابة النقدية تجعل من المعلم متمرسا اكثر بمناقشة افكار طلابه والرد عليها باسلوب اكثر جاذبية وتركيزا، وبإختصار الأدب والكتابة عاملان مساعدان لتهذيب أداء المعلم او المعلمة .

– هل الشعر بالنسبة لكِ صوت أنثويّ يعبّر عن الذات؟ أم سلاح ثقافي وفكري تواجهين به قضايا المجتمع والوطن؟

لاشك انه كما تفضلتم به فهو سلاح فكري وثقافي او على الأقل اداة فعالة في مواجهة كثير من القضايا التي يتعرض لها الوطن أو المجتمع، وهو من أهم المؤثرات في توجيه الكثير من القضايا المجتمعية والذود عن حياض الوطن،كما لايمكننا إغفال انه معبر عن صوت المرأة يصدح عن مكنونات ذاتها وشعورها تجاة مايهمها من قضايا ويعبر عنها كونها إمرأة مثقفة ومربية وأم وعاملة وعنصر مهم جداً في بناء المجتمع.”

– شاركتِ في أول أوبريت وطني نسائي على مستوى المملكة، واليوم يعلو اسمك في إنتاجات كبرى مع جهات كـ “روتانا” و”MBC”… ما الذي تغيّر بين البداية والآن؟ وهل ما زالت الشاعرة تُفاجئ نفسها؟

كلما تقدم الإنسان في تجربته الشعرية والثقافية فإنه بلاشك يتطور معها وتتفتح له افاقاً جديدة، وعندما اجد نفسي في موقع النجاح فلن اتردد باقتناص اي فرصة تحقق لي جزءاً من طموحاتي، ومازلت اشعر بأنني مازلت ببداية المشوار، وأسأل الله التوفيق …

-المرأة الخليجية اليوم… بين التحدي والتمكين، كيف ترين دور الشاعرة في مواجهة القوالب النمطية؟ وهل كان الشعر سلاحك في هذه المعركة؟

سبق وان ذكرت بأن الشعر سلاح في مواجهة الكثير من الأمور، و ومنها محاربة الظواهر التي تعيق تطور المرأة المتفق مع دينها وتصالحها مع ذاتها، سواءً خليجياً او محلياً وبحكم تجربتي وتواجدي ضمن مؤسسات أدبية شعرية نسائية متميزة خليجياً وعربياً لذلك افتخربها حيث من خلالها استطعنا تحقيق العديد من الطموحات والأهداف والإنجازات العظيمة وأشيد بمايقدمنه خليجياً ومحلياً
مثل مجموعة (نخبة النون ) (وسحر البيان )  ونحن هنا نعيش عصر ذهبي للمرأة ويجب ان تستغله بمايعود بالنفع عليها و على أسرتها ومجتمعها.

-بما أنكِ مشرفة على فرق تطوعية نسائية وقيادية في أكثر من نشاط ثقافي… كيف تصفين دور “صمت الوايلية” في توجيه طاقات المجتمع النسائي نحو الإبداع الحقيقي؟

لاشك ان الدور القيادي مساند وفعال لدعم الكوادر الأخرى
من خلال توجيه الطاقات الإبداعية نحو السلوك النافع، لذالك وجدت (صمت) نفسها وهي تحمل مسؤلية كبيرة ، تجاه منسوبي هذه القطاعات، سواءً تطوعياً او مهام إلزاميه فالطاقات موجودة  وتحتاج فقط للتحريك والتوجيه السليم!!
فالابداع صنع الإبتكار ووجهته الحقيقية، ونحن بحاجة لمجتمع تتعاون فيه كل مكوناته لبناء مبهر وسلوك ناجح، سلاحنا في ذلك الصبر والمثابرة وتكرار التجارب الناجحة. والتحفيز الفكري الجيد
ولا انسى هنا أن اشيد بدور وجهود القطاعات التطوعية في جميع أنحاء الوطن وخاصةً في منطقه تبوك حيث تشهد تقدماً كبيراً ملحوظً في هذا المجال وفي ذلك مايثلج الصدر  ويسعد النفس ..

-بحكم خبرتك في نقد وتصنيف النصوص وتحكيم المسابقات الشعرية، ما هو الخط الأحمر الذي لا تتسامحين معه في أي نص شعري؟ وما الذي يُثير إعجابك فورًا؟

الخط الأحمر من ناحية المعنى أن لايخرج النص بمعناة عن مسلماتنا الدينية والثقافية والوطنية وتقاليدنا الصحيحة!!
ومن ناحية البناء لايمكن التساهل بالوزن والقافيه ابداً.
إما مايثير إعجابي فوراً فهو النص الذي يحتوي على صورة او صوراً مبتكرة والممتلئ ابداعاً وتألقاً، ويؤدي الغرض المطلوب منه..!

– متى تقول صمت الوايلية: “هذه القصيدة لا تُقرأ، بل تُخلّد”؟

عندما تصنع صورة واضحة المعالم تُقرأ فيها مشاعر كاتبها وتفيض بخياله الواسع معبرة عن فكرة غير تقليدية، تفيض حنكه شعرية وحكمة وخبرة ،تبهر العقول او تكون ذات صياغة ابداعية مؤثرة متميزة بأمر عظيم كاحب الوطن والدين والولاء لهما .

-كيف تتعاملين مع من يحاولون تقليدك أو استنساخ تجربتك؟ هل تعتبرين ذلك تهديدًا أم إشادة غير مباشرة؟

افرح كثيراً حين يوجد من يرغب ويهتم ويتابع ليستنسخ او يقلد (الصمت) وذلك ويشعرني بأهمية تجربتي ووصولها للنموذجية وتفردها بحالة مستقلة ومختلفة تمثل(صمت الوائلية).

-يقال إن الشعر لا يُدرّس… وأنتِ صاحبة خبرة ودراسة في علم العروض واللسانيات! كيف تَرَين هذا التناقض؟ وهل كل من أجاد الوزن أجاد الشعر؟

الشعر لايدرس فعلا، هو موهبة ولكن يُصقل ويوجه نحو الإبداع، هو حالة توجد بالشخص ويتم شحذها وتوجيهها نحو الجمال والكمال حين تتوفر الفكرة الملهمة لكتابة الشعر ، اما الوزن والقافية هما إطاران فقط لهذه الصورة العملية والمتمثلة بالموهبة.
اعطني موهبة اعطيك شاعراً…

– من واقع تجربتك الطويلة في التعليم، كيف يمكن أن نزرع حب الوطن والانتماء الفكري في أذهان النشء؟
وهل للكلمة دور في ذلك؟

عندما يكون الوطن حاضراً بأفئدتنا وهو كذاك فإنه لايغيب عنا تنشئة أبنائنا على حبه، سواءً كنا معلمين ومعلمات او اباء وأمهات.
ربط حب الوطن وإسم الوطن وفضله و زرع هذه البذرة في أذهان أبنائنا وبكل الوسائل المختلفة ومن جملتها الكلمة والشعر جزء منها
مع الحرص على إبعاده عن كل صوت او فكر شاذ مخل، هنا سيخلق لنا جيلاً محباً ونافعاً لوطنه.
الكلمة المدروسة والمؤثرة والمتكررة لها وقع كبير، خصوصاً في المراحل الأولى من عمر ابنائنا، ومن هنا كان لكثير من أشعاري دور يصب في هذا الإتجاه …

حيث كان لي شرف تأليف عدة اعمال أدبيّة تعليمية ومنها
أول أوبوريت تعليمي انشادي يحمل اسم  (لك ياوطن ) مشهد تاريخي توليت مهمه تدريب طلابي وطالباتي نثراً وشعراً وتمثيلاً  سبق وان تم عرضه في احتفالات وطنية متعددة ومنها مسرح إدرة التربية والتعليم بمنطقة تبوك  والنادي الأدبي وجمعية الثقافة والفنون ..

– ما المشروع الثقافي أو الأدبي الذي تحلمين بتحقيقه، ولم تسمح الظروف له أن يولد بعد؟

الأحلام  في هذا المجال كثيرة ، منها تكثيف الأندية الثقافية بجميع انواعها تاريخية تعليمية ترفيهية .

ولكن مايشغل فكري حقيقة هو كيف لنا أن نجعل من الشعر وسيلة نافعه لتعزيز روح الإنتماء الوطني والديني في كثير من المسائل ؟!

وكيف للشعر ان يكون تربوياً مؤثراً .وكذا كيف نجعل منه أداة نافعه
في فهم مسائل دراسية علمية ثقافية اجتماعية او دينية تسهل على المتلقي من جميع الفئات العمرية تقبل وفهم وإدراك المعلومة بشكل سلس مستساغ محبب ومبسط ..!!
من خلال جعل القصيدة تشرح وبقالب شعري سهل يُدرس من خلاله ماينبغي من معلومات !! او تجمع بكتاب او كتيبات يقرأها الطلاب ويستلذون بجمالها ويستوعبون المسائل بكل يسر! على ان يكون متخصص فقط في هذه المسائل… جاء ذلك في بالي وأنا اقرأ الفية ابن مالك في النحو..!! واتمنى ان يخدم الشعر علوم أخرى وبشقيه الفصيح والشعبي كا مشروع ثقافي مفيد و ناجح..!

 ما هو السؤال الذي لم يُطرح عليكِ من قبل، وتتمنين أن يطرحه عليكِ أحد؟ وهل يمكنكِ الإجابة عنه الآن؟

هل إستفادت الشاعرة صمت مادياً من كونها شاعرة!! وبمعنى آخر هل تؤيدين تحويل الشعر لسلعة مربحة؟ !!

لا… لم أستفد ماديا من كوني شاعرة ،ولم اتكسب منه اطلاقاً..
وقد سمعت بوجود من يتكسب ، ولا اعيب بذلك على احد ممن يكتسبون ..من خلال الشعر.. فقديكون رزقاً مباحاً.. ولاكني بإختصار أرى بأن الشعر رسالة ثقافية وموهبه غير قابلة للبيع والتكسب ويجب أن تكون موجهه لبناء المجتمع وإصلاحه، والدفاع عن الوطن ومكتسباته وهما عنصران مهمان لايقدران بثمن..!!

ولذلك صمت نذرت موهبتها لوطنها دون مقابل..!

– أخيرًا… إن سُجّل اسم “صمت الوايلية” في ذاكرة التاريخ، فكيف تحبين أن يُكتب في السطر الأول من سيرتك؟

صمت الوائلية ، (شاعرة وطن..! ومربية أجيال) تتواجد حينما يكون للشعر الحقيقي والهادف معنى وتقدير، يستحق ويتوجب الحضور .

ختاماً .. حين تُنهي صمت الوايلية حديثها، يبقى الصدى طويلاً في الذاكرة… وتبقى الكلمات كأنها وُلدت لتُقال على لسانها فقط.
هي امرأةٌ بحجم وطن، تحمل على عاتقها عباءة الفكر، وتخطو بثبات ملكةٍ في بلاط الشعر، وتمنح للحرف هيبته، وللكلمة رسالتها.

في عالم الأدب، هناك من يكتب… وهناك من يُخلِّد.
و”صمت الوايلية” تكتب لتُخلِّد، وتُخلِّد لتُعلِّم، وتُعلِّم لتصنع جيلًا ينهض من تحت الرماد، يحمل شعلة الحرف ويضيء بها دروب المجد.

لقاؤنا معها ليس نقطة نهاية… بل فاصلة تبدأ بعدها ألف قصة أخرى .