حين يُشبه النقاء أهلًا.. فإنهم من تبوك



نورة بنت طالب العنزي 

تبوك يا عطر الشمال، ويا نغمة تنساب في ذاكرة القلب كأغنية لا تُنسى… مدينة لا تملّ من الحنين، وحنين لا يسكن إلا فيها. أرضٌ كلما مررتَ بها شعرتَ أنك تمرّ على قلبٍ يعرفك… يفتح لك الطرقات، ويبتسم في الوجوه، ويهتف بك دون صوت: أهلًا وسهلًا… بين أهلك وناسك.

كبرنا فيك يا تبوك، وبين حاراتك تفتحت أعيننا على الحياة. كم من مرة ركضنا على أرصفتك، نحمل الحلوى في جيب، والأحلام في الآخر. كان المساء فيك دافئًا، حتى في عزّ البرد، لأن القلوب التي تسكنك دافئة بما يكفي لتُنسينا برد الشمال.

في تبوك، لا تسير على الإسفلت فقط، بل على الذكريات… على ضحكات الطفولة، وعلى صوت الأذان وهو يتردد بين الجبال، وعلى دفء البيوت التي لا تُغلق أبوابها إلا احترامًا للسكينة، لا خوفًا من الغريب.

أما أهل تبوك… فهم حديث آخر، لا يُشبهه حديث.
ناسٌ إذا سلّمتَ عليهم، رددوا السلام بمودةٍ تسبق الكلمة. وإذا زرتهم، أكرموك كأنك لا تزال في دارك. فيهم طيبة من عاشوا قرب الجبل، وقوة من نشأوا على الصبر، وحياءٌ يشبه ندى الصباح.

ما أجملهم!
لا يُجيدون التصنع، ولا يعرفون الالتفاف. صدقهم واضح في العيون، وكلامهم موزون كأنما صيغ على مهلٍ من قلب نقي. هم أهل الكرم الفطري، لا يسألون كم ستبقى، بل يسألون: هل شبعت؟ هل ارتحت؟ هل تحتاج شيئًا؟

وإذا اشتدت الأيام، رأيتهم يقابلونها بوجوه ساكنة، وقلوب عامرة بالإيمان. لا يشكون كثيرًا، لكنهم يفعلون كثيرًا. سندٌ في الضيق، وفرحٌ في الفرح، ومن عاش بينهم عرف أن الطيبة ما زالت تعيش، تمشي على قدمين، وتُربت على كتفك بصمتٍ حنون.

تبوك وأهلها، لا يمكن أن تفصل بينهما…
المدينة تشبه ناسها، وناسها يعكسون وجهها الحقيقي:
ثابتة، أصيلة، مريحة، مثل ظل شجرة في ظهيرةٍ متعبة، مثل ضحكة أم حين ترى أبناءها مجتمعين.

فطوبى لتبوك بجمالها، وطوبى لأهلها بقلوبهم… ومن مرّ بها، لا بد أن يترك قلبه هناك، لأن في تبوك… من طيبهم يكفيك الكلام .


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  • Rating


مواضيع ذات صلة بـ حين يُشبه النقاء أهلًا.. فإنهم من تبوك

جميع الحقوق محفوظة لصحيفة الراية الإلكترونية © 2018 - 2025

تصميم شركة الفنون لتقنية المعلومات