علاقات تُحيي الروح



د. هناء الهور 

في خضمّ صخب الحياة وتحدياتها، نبحث جميعًا عن مرفأ أمان، وعن علاقات تمنحنا الدفء وتُعيننا على المضي قدمًا. لكن، هل تساءلنا يومًا عن الأثر الخفي الذي تتركه هذه العلاقات على أرواحنا؟ إنها ليست مجرد روابط اجتماعية عابرة، بل هي طاقة تتخلل كياننا، فإما أن تُحييه وإما أن تُثقله.

يضع لنا النبي محمد ﷺ قاعدة ذهبية في فن اختيار الصحبة حين قال: “المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يُخالل”. هذا الحديث ليس مجرد نصيحة، بل هو بوصلة توجهنا نحو جوهر العلاقات الإنسانية. فطاقتك الداخلية، وسلامك النفسي، وحتى قربك من خالقك، يتأثر بشكل مباشر بمن تفتح له قلبك وتشاركه مساحتك الخاصة. الصاحب الصادق هو من يرتقي بروحك، لا من يستهلكها في صراعات دنيوية لا تنتهي. هو ذاك الذي يربطك بالله لا بنفسه، ويُذكّرك بعظمة الخالق كلما غفلت. حبه لك نابع من الله وفي الله، خالٍ من المصالح والأهداف الآنية، وهذه هي أسمى طاقة يمكن أن تسري في علاقة إنسانية.

إن البشر المرتبطين بالله حقًا هم أكثر الناس خفةً على الروح. لا يأسرهم بريق الدنيا الزائل، ولا يتسلقون على قلوب الآخرين لتحقيق مآربهم. تجدهم في سلام داخلي عميق، يعيشون الدنيا بجد، لكنهم لا يجعلونها أكبر همّهم ولا منتهى طموحهم. حين تجالسهم، تشعر وكأن نورًا قد أشرق في روحك، وحين تغادرهم، يبقى أثر ذلك النور في داخلك، فتشتاق إليهم وإلى صحبتهم المُلهمة. إنهم مرايا تعكس لك جمال قربك من الله.

في المقابل، علينا أن نحذر كل الحذر من تلك الصحبة التي تستنزف طاقتنا وتُطفئ وهج أرواحنا. هي العلاقات التي تُبعدك عن الله، وتربط قلبك بالبشر لا برب البشر، فتجد نفسك أسيرًا لتقلبات أمزجتهم، ومصالحهم، وتوقعاتهم التي لا تنتهي. هذه العلاقات السامة تُثقل كاهلك وتجعلك في حالة من القلق الدائم، وتُفقدك صفاءك الداخلي.

إن كل طاقة إيجابية تبدأ من قلبٍ صافٍ، وأول خطوة نحو هذا الصفاء هي حسن الاختيار. اختر من يُحيي روحك، من يرى فيك الخير ويُعينك عليه، ومن إذا ذكرت الله أعانك، وإذا نسيت ذكّرك. ففي نهاية المطاف، صحبتك هي انعكاس لما أنت عليه، وهي أيضًا ما ستُصبح عليه في المستقبل .


5 /5
Based on 1 rating

Reviewed by 1 user

    • 4 أشهر ago

    د. ناصح المزروعي

    مقال رائع جداً للدكتورة، ماشاء الله من خيرة الكفاءات العلمية التي كان لنا شرف العمل معهم في ملفات مهمة، وليس بمستغرب عليها هذا التميز في الطرح، الله ينفع بها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  • Rating


مواضيع ذات صلة بـ علاقات تُحيي الروح

جميع الحقوق محفوظة لصحيفة الراية الإلكترونية © 2018 - 2025

تصميم شركة الفنون لتقنية المعلومات