راجح العجمي .. نبض العدالة وسادن الأمن في محراب الوطن
علي بن عالي
في زمن تتكاثر فيه الألقاب وتقلّ فيه القامات، ينهض الدكتور راجح العجمي شاهدًا على عصرٍ لا يزال الوطن فيه يفتّش عن الصادقين بين ظهرانيه، ويستبشر بقيادات تجيد الإصغاء لحاجة الأرض والإنسان، وتعي أن خدمة الوطن ليست منصبًا يُعتلى، بل عهدٌ يُؤدّى وسِفرٌ يُكتب في ضمير التاريخ.
لقد اختطّ الدكتور راجح العجمي لنفسه دربًا مغايرًا منذ أن حمل همّ المسؤولية وتقلّد مهامّ العمل في وزارة العدل، هناك حيث تستوي الموازين وتستقرّ الضمائر، وحيث لا سلطان إلا للقانون، فكان العجمي واحدًا من رموز التحديث القضائي، إذ سعى إلى تقريب العدالة من المواطن، وتسريع وتيرة البتّ في القضايا، ودعم التحول الرقمي في المنظومة القضائية، ما أسهم في رفع كفاءة الأداء، وترسيخ ثقة المجتمع في نزاهة القضاء وشفافيته.
ثم كانت محطته الثانية في وزارة الداخلية، حيث أدار الملفات الأمنية بعقلٍ قانونيّ حازم، وروحٍ إصلاحية تنشد الأمن لا بالقوة وحدها، بل بالعدل والكرامة الإنسانية. ولم تكن الداخلية عنده مرفقًا إداريًّا، بل قلب الدولة النابض، وجدارها الصلب الذي يحمي المجتمع من التطرّف، والجهل، والفوضى.
ولم تقف سيرة العجمي عند حدود الوزارة، بل امتدت لتفيض في مؤسسات وطنية خدمية جعل منها منابر عطاء، ومدارات تطوير، منها ما يتصل بتعزيز ثقافة حقوق الإنسان، ومنها ما يعنى بالتكافل المجتمعي والتنمية المحلية، كانت رؤيته واضحة: أن تنبع قوة الدولة من تماسك مجتمعها، وعدالة مؤسساتها، وشراكة المواطن في بنائها.
في المجالس التي تشرف بعضويته، وفي البرامج التي دعمها، وفي المبادرات التي أطلقها، كان دائمًا حريصًا على أن يبقى صوت الوطن عاليًا، ومصالحه فوق كل اعتبار، منفتحًا على التطوير دون تفريط، ومتمسكًا بثوابت المملكة القائمة على العدل، والرحمة، والأمان، وهذه المعاني هي المتضمنة لرؤية المملكة العربية السعودية 2030م، فمثل بجهوده في مختلف المؤسسات التي عمل فيها تطبيقًا فعليًا لتلك الرؤية التي تحمل آمال المجتمع السعودي والمواطنين.
ولعلّ أبرز ما يميّز تجربة الدكتور راجح العجمي هو الجمع بين الصرامة الإدارية والسمت الأخلاقي، بين الفهم العميق للقانون، والقدرة على صياغة واقعٍ عادلٍ يليق بتضحيات المواطنين وتطلعاتهم، فلم يكن بيروقراطيًا نمطيًّا، بل رجل دولة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، يؤمن بأن الإدارة ليست سلطة؛ بل مسؤولية، وأن العدالة ليست حكمًا يُصدر؛ بل أثرٌ يُترك في ضمائر الناس.
وفي كل ذلك، ظلّ وفيًّا لرسالته العلمية، مشاركًا في الندوات، والبرامج القانونية، ومساهمًا في صياغة السياسات العامة القائمة على الشفافية وحسن التدبير، حتى غدا أنموذجًا يُحتذى في الربط بين الفكر القانوني الأمني والممارسة الوطنية.
إنّ الحديث عن الدكتور راجح العجمي ليس سيرة شخصية فحسب، بل نافذة نطلّ منها على صورة الوطن حين يتجسّد في رجلٍ عادل، وقائدٍ ميداني، وعقلٍ إداريّ، وروحٍ خادمة لا تبتغي شهرة ولا تبحث عن صدى، بل تعمل في صمتٍ، وتدفع بعجلة الوطن إلى الأمام بثقة المؤمن ويقين الحريص.