جودة أداء مدير المدرسة بين الواقع والمأمول



بقلم: فاطمة حسين الهاجري

في خضم التحولات التعليمية المتسارعة، تبقى جودة أداء مدير المدرسة عاملًا حاسمًا في رفع مستوى التعليم وتحقيق الطموحات الوطنية. فمدير المدرسة لم يعد مجرّد منسّق للأعمال، بل أصبح قائدًا تربويًا، وركيزة أساسية في مسار التحسين المستمر، ومصدر إلهام لفريقه، وبوصلة للتوجهات المستقبلية.

الواقع يُظهر تفاوتًا في الممارسة بين المدارس، فبين من يُتقن فن القيادة ويجيد بناء بيئة تعليمية نابضة بالحياة، وبين من لا يزال يتعامل مع الإدارة كإجراءات يومية، تتضح الحاجة المُلحّة إلى إعادة قراءة دور المدير وفقًا لمفاهيم الجودة الحديثة، وبما يتواكب مع رؤية المملكة 2030 في بناء تعليم نوعي ومؤثر.

وقد أعادت ثقافة التمكين صياغة دور مدير المدرسة، لتجعل منه أكثر من مجرد إداري. أصبح المدير في ظل التمكين مشرفًا مقيمًا، يتابع أداء المعلمين، ويشرف على خططهم التطويرية، ويعمل على بناء قدراتهم المهنية داخل المدرسة. هو المسؤول الأول عن توفير بيئة تعلم آمنة ومحفزة، يكتشف الإمكانات، ويحتوي التحديات، ويقود التغيير من الداخل.

لم يعد يكفي أن يكون المدير محايدًا أو مكتفيًا بتسيير الأمور؛ بل عليه أن يكون صانعًا للقرارات، ومبادرًا في التخطيط، ومؤمنًا بأن المدرسة ليست مبنى، بل منظومة متكاملة من القيم والمعرفة والإبداع. المدير الفاعل هو من يخلق من مدرسته منارة إشعاع فكري وتربوي، ويسهم من موقعه في إعداد جيل يعتز به الوطن، جيل يمتلك المهارات، ويتسلح بالوعي، ويؤمن بالمسؤولية المجتمعية.

ومن المأمول في مدير المدرسة – في جميع المراحل – أن يقود فريقه بثقة، ويصنع بيئة تعلّم تُثمر، ويتبنّى ثقافة التحسين المستمر، ويُشرك الجميع في صناعة القرار. جودة الأداء لا تتحقق صدفة، بل تُبنى على وعي عميق، ومهارات قيادية أصيلة، وإيمان بأثر المدرسة في تشكيل الوعي الجمعي للأجيال.

نحن بحاجة إلى قادة مدارس يديرون بعقولهم وقلوبهم، يستمعون باهتمام، ويتفاعلون بإيجابية، ويؤمنون أن كل يوم في المدرسة هو فرصة جديدة للتغيير، وغرس جديد في تربة الوطن.

وفي الختام، فإن جودة أداء المدير هي مفتاح المدرسة المتجددة، والمدير الذي يعي دوره في زمن التمكين، هو المدير الذي يترك بصمة لا تُنسى، ويبني أثرًا لا يُمحى، ويقود رحلة التعليم نحو التميز بخطى ثابتة، ورؤية متبصرة.