أهم الاخبار


السعودية وفلسطين: نبضٌ إنساني في زمن المجاعة



د. علي بن عالي

في زمنٍ أظلمت فيه الآفاق، واشتدّت المحنة على غزة حتى بلغت حدّ المجاعة، بزغ من بين ركام الصمت صوتٌ عربيّ لا يزال وفيًّا لفلسطين؛ صوتٌ حمل في طيّاته معنى التضامن، وجوهر الأخوّة، وعنوان الكرامة. ذاك الصوت هو صوت السعودية، التي لم تتخلّ يوماً عن ثوابتها تجاه القضية الفلسطينية، بل جعلت من المبدأ موقفاً، ومن الموقف فعلاً على الأرض.

أولاً: جذور الموقف السعودي – سياسة لا تعرف المساومة
لم يكن موقف الرياض وليد العاطفة الطارئة، ولا نزوة دبلوماسية عابرة، بل هو نهجٌ راسخ في سياستها الخارجية، يقوم على نصرة المظلوم وإسناد الحق الفلسطيني في وجه آلة البطش الصهيونية. فمنذ سنواتٍ طوال، سخّرت السعودية مواردها لدعم الشعب الفلسطيني؛ من مشاريع الإعمار والبنية التحتية، إلى المساعدات المباشرة، إلى مواقفها الثابتة في المحافل الدولية، حيث ظلّت الكلمة والفعل يسيران جنباً إلى جنب.

ثانياً: غزة… حين يطرق الجوع أبواب الموت
الحرب الإسرائيلية الأخيرة لم تكن مجرد جولة جديدة من العدوان؛ بل كانت عاصفة اجتاحت الأخضر واليابس، دمّرت المخازن، وشلّت خطوط الإمداد، وحوّلت القطاع إلى سجن كبير بلا خبز ولا دواء. أكثر من مليوني إنسان، بينهم أطفال ونساء، يتأرجحون بين الحياة والموت، يقتاتون على بصيص أمل في زمن انقطع فيه كل حبل نجاة. ومع هذا المشهد المأساوي، لم تتوانَ السعودية عن مدّ يدها، لتكون شريان الحياة في جسدٍ أنهكته الحروب.

ثالثاً: السعودية… جسور إنسانية وسط ركام الحرب
لم يكن دعم السعودية شعاراتٍ تُرفع على المنابر، بل كان قوافل تسير في قلب الخطر، وطائرات تحلّق بالخير، وسفن تجوب البحار محمّلة بالغذاء والدواء. مئات الملايين رُصدت، وأيدٍ بيضاء امتدّت للأسر المنكوبة بمساعدات عاجلة. ولم تكتفِ بذلك، بل خاضت السعودية معارك التفاوض خلف الكواليس لتليين قلوبٍ قست، وتفتح معابر أُغلقت في وجه الجائعين، وتُدخل المساعدات رغم أنف التعنت السياسي والحصار الجائر.

رابعاً: تحديات في طريق النُبل
لكن الطريق إلى غزة لم يكن مفروشاً بالورود؛ فالتعنت الإسرائيلي يضع العراقيل عند كل بوابة، والتسييس الخبيث يحاول تحويل لقمة الخبز إلى ورقة ابتزاز، فيما القصف العشوائي يجعل حياة فرق الإغاثة رهينة للخطر. ورغم ذلك، ظلّت السعودية تمضي، تُسابق الزمن وتقاوم القيود، لأنّ ما هو على المحك ليس مجرد أرقام، بل أرواحٌ تنبض في انتظار كسرة خبز.

خامساً: قراءة في المشهد – إنسانية الرياض واستراتيجية البقاء
الدور السعودي ليس عملاً عاطفياً معزولاً، بل هو جزء من رؤية استراتيجية عميقة: أن تكون السعودية حاضرة حيث تناديها قضايا الأمة، وأن تحافظ على صورتها كدولة تتحمّل مسؤوليتها الأخلاقية قبل السياسية، وأن تظلّ فلسطين في قلب أولوياتها مهما تبدّلت موازين القوى.

في زمنٍ غلب فيه الصمت على الأصوات، وانحنت فيه الرقاب أمام سطوة المصالح، اختارت السعودية أن تمشي عكس التيار، فرفعت راية الأخوّة، وحملت خبز الحياة إلى غزة الجريحة. ومع كل شحنة مساعدات، ومع كل جسر جوي أو بحري، ترسل السعودية رسالةً إلى العالم: أنّ الضمير لا يزال حياً، وأنّ التضامن ليس قصيدة تُتلى، بل فعلٌ يُكتب بمداد العطاء على صفحة التاريخ.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  • Rating


مواضيع ذات صلة بـ السعودية وفلسطين: نبضٌ إنساني في زمن المجاعة

جميع الحقوق محفوظة لصحيفة الراية الإلكترونية © 2018 - 2025

تصميم شركة الفنون لتقنية المعلومات