“القلوب الشفافة ” بين براءة النية وقسوة التأويل
د. هناء الهور
أستاذ مشارك بجامعة الأمير فهد بن سلطان
في عالم يزداد فيه الحرص على المظاهر وحسابات الصورة أمام الناس، يبقى أصحاب القلوب الشفافة حالة خاصة ونادرة. هؤلاء لا يعرفون المراوغة، ولا يتقنون لبس الأقنعة، ولا يملكون إلا وجهًا واحدًا يواجهون به الحياة والناس. ما في قلوبهم هو ما يظهر في أفعالهم وكلماتهم، بلا تصنّع ولا ترتيب مسبق.
الإنسان الشفاف حين يمر بموقف ما، يتصرف وفق ما يشعر به لحظتها: إن رأى خيرًا بادر، وإن رأى ظلمًا أنكر، وإن أحب عبّر، وإن حزن لم يخفِ حزنه. لا يضع في حسبانه كيف سيُفسَّر تصرفه، ولا يُشغِل نفسه برضا الجميع أو حسابات المكاسب والخسائر. هو فقط يتبع طبيعته النقية التي تدفعه للتصرف كما يمليه عليه ضميره.
لكن المشكلة أن جزء من المجتمع ، بدل أن ينشغل كل فرد فيه بنفسه وبصلاح حاله، ينشغل أحيانًا بمراقبة الاخر ، وتحليل كل كلمة أو فعل يصدر عنه، والبحث عن “المعنى الخفي” وراءه، حتى لو لم يكن هناك معنى خفي أصلًا. فيُساء تفسير العفوية على أنها تهوّر، وتُفسَّر المبادرة الطيبة على أنها مصلحة، ويُؤخذ الوضوح على أنه قسوة أو تجاوز.
وقد علّمنا الإسلام قاعدة عظيمة في التعامل مع الناس، وهي التثبّت قبل الحكم، كما قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ [الحجرات: 6]
لكن واقعنا يشهد أن كثيرًا من الأحكام تُبنى على الظنون والانطباعات السريعة، لا على الحقائق.
أصحاب القلوب الشفافة قد يخسرون بعض المواقف أو العلاقات بسبب سوء الفهم، لكنهم يكسبون ما هو أثمن: راحة الضمير، وصفاء النية، ونقاء العلاقة مع الله. وهم في النهاية يختارون أن يعيشوا بوجه واحد، كما خلقهم الله، حتى لو كانت قسوة التأويل من حولهم هي الضريبة التي يدفعونها .




[email protected]
عندما يكون المرء نقي من الداخل لا تخرج منه إلا كلمات رائعه جميله كروعته
أ/ حليمه دغريري
مالكة مركز حلم السنين
احسنت القول دكتورة