مجالس “الإنعاش” طوق نجاة للروح
الدكتورة/ هناء الهور أستاذ مشارك جامعة الأمير فهد بن سلطان
في موسوعة معارفك الاجتماعية الكثيرة، حين يضيق الصدر، وتختنق العبرات، وتجلدك ذاتك، وتتحد عليك الحياة من كل صوب؛ تبحث – لا شعوريًا – عن مجالس الإنعاش، عن أولئك الذين لا يكتفون بكونهم أصدقاء، بل يكونون أشبه بجهاز تنفسٍ للروح، حين يوشك الشغف أن يموت، وتيبس فيك الحياة.
هم أولئك الذين يحيطونك بالحب، ويغمرونك بالقبول، ويُجيدون فنّ الاحتواء. لا يثقلونك بنصائح جافة، بل يُخففون عنك جلد الذات، ويلوّنون الكلمات كي لا تجرحك. لا يرون في الزلة سقوطًا، بل بشرية، ويتركونك على سجيتك لأنهم على سجيتهم. معهم لا تخشى العفوية، ولا تراجع كلماتك بعد اللقاء بحثًا عمّا يستحق الندم.
هم من يتجادلون على صعيد الأفكار، لا الأشخاص. يدركون أن الوقت له قيمة، وأن العقل أثمن من اللسان، فيغذّونه لا ليُظهِروا تفوّقهم، بل ليكبر الجميع معًا.
في مجلسهم، تُشفى دون أن تشعر، وتستقيم روحك دون وعظ. لا تُحاسب فيه على زلة، ولا تُنتقص فيه من قيمة شعورك. يراك أحدهم بعين قلبه، لا بميزان تصرفك.
ولنا في رسول الله ﷺ أسمى مثال.
كان ﷺ يجلس مع أصحابه لا كزعيم يتعالى، بل كصديق يُصغي ويُشاور ويواسي. كان مجلسه مجلس دفء ومحبة، يجبر الخواطر قبل أن تنكسر، ويُحيي النفوس دون أن يُحرجها.
فقد كان يقول:
“لا تُخبروني عن أحد من أصحابي شيئًا، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر”
رواه أبو داود.
ما أروعه من نموذج يُعلّمنا كيف يكون الصفاء بين القلوب، وكيف تكون المجالس منابرَ للسكينة لا للحكم والإدانة.
إن مجالس الإنعاش ليست مكانًا، بل حالة.
قد تكون على طاولة قهوة، أو في مكالمة سريعة، أو حتى في نظرة صامتة تفهمك دون أن تُفسِّر. مجالس تُعيد ترتيب فوضاك الداخلية، وتُذكّرك أنك لست وحدك في مواجهة الحياة.
فإن رزقك الله من يُحيطك بهذا النقاء، ممن ينعش روحك لا حديثًا، بل وجودًا، فتمسّك به. واحفظه، كما تحفظ الروح الهواء.
هؤلاء ليسوا مجرّد أصدقاء… إنهم ضرورة.