الاتفاق الدفاعي .. بين قوَّتِهِ الرَّمزيَّة وحقيقته التكامليَّة !!
عبدالمحسن محمد الحارثي
في مشهد جيوسياسي تتسارع فيه التحولات، وتُعاد فيه صياغة موازين القوى في الشرق الأوسط وجنوب آسيا ؛ جاء الاتفاق الدفاعي بين المملكة العربية السعودية وجمهورية باكستان الإسلامية كرسالة صريحة، وكسيف مُعلق على رقاب كُل من يعتدي !!
لكن ؛ خلف صلابة البيان، وقوة اللغة، ورمزيَّة الاتفاق ؛ هناك سؤال جوهري لا يُمكن تجاهله :
هل الاتفاق مُحْكَم بما يكفي ليصمد أمام استفزازات الخصوم؟!
أم أن فيه ثغرات قد تُستخدم لتمزيق تماسكه ووضعه في مواقف حرجة؟!
الجواب :
الأعداء لا يحتاجون إلى حرب مباشرة لضرب مصداقية الاتفاق، بل يستطيعون استخدام استفزازات ذكية ومحدودة، تستهدف “مساحات الصمت” في النص القانوني والسياسي للاتفاق ؛ حينها يتجلَّى الاتفاق في صورته التكاملية ، ليرد على مثل هذه التساؤلات وبصورة عملية ومدروسة، تبين التوريث التاريخيّ والاتفاق المفصلي .
لم تكن العلاقة بين الرياض وإسلام آباد وليدة اللحظة ، فمنذ أكثر من ستة عقود ؛ نسج البلدان شبكة من المصالح الأمنية والعسكرية والاقتصادية، رعتها الجغرافيا، وغذّاها التقارب العقائدي، ورعتها التهديدات المتقاطعة.
لكن الجديد، هو : دخول العلاقة في صيغة اتفاق دفاع مشترك صريح رسمي وقانوني ، ينص على أن “أي عدوان على أحد الطرفين يُعد عدوانًا على الآخر” .
المسألة الحرجة: من هو “العدو”؟ ومن يُلزم من؟!
تكمن أكبر إشكالية استراتيجية في الاتفاق ؛ في سؤال بسيط ظاهريًا، معقد واقعيًا:
ما هو “العدوان” الذي يُلزم باكستان بالتحرك؟!
هل هو عدوان مباشر على الأراضي السعودية فقط؟
هل تشمل الالتزامات حالات الاشتباك غير النظامي؟ مثلاً : الهجمات بالوكالة-الاستهداف السيبراني .
وهل تدخل باكستان إذا ما دافعت السعودية عن دولة خليجية تتعرض لهجوم؟!
أسئلة تُشكّل في ذاتها مساحات غامضة قد يستغلها العدو بدهاء وذكاء سياسي .
فهل يمكن تحصين الاتفاق؟!
الإجابة نعم ولكن ليس عبر التمنيات ، بل من خلال خطوات حاسمة، منها:
1- توقيع بروتوكولات تنفيذ سرية تُحدد متى وكيف يُفعل الالتزام.
2- وضع آلية استخباراتية مشتركة لرصد العدوان قبل وقوعه.
3- تشكيل وحدة أزمة عسكرية وسياسية ؛ تستجيب خلال 24 ساعة لأي حادث استراتيجي.
4- توسعة نطاق الاتفاق تدريجيًا ليشمل حالات العدوان غير المباشر على الحلفاء الاستراتيجيين للسعودية، في حال طلبت ذلك.
في الختام:
هل الاتفاق قوي؟
نعم، هو قوي كرسالة ردع سياسية ، لكنه قابل للإرباك ؛ إذا لم يُعزز ببنية تنفيذية تكامليَّة ، تجعله يقف متماسكًا أمام سيناريوهات “الاحتيال الاستراتيجي”.
المطلوب اليوم من الرياض وإسلام آباد ليس فقط التفاهم… بل التناغم تحت الضغط ومحك النَّار ، وبناء الثِّقة المستمر ، وتعضيد الاتفاق وسد مكامن الثغرات وملء الخانات بملاحق إضافيَّة ؛ حتَّى لا يجد المُتربِّص أي مساحة تُستغل !!