ماوراء اللمعان

منى الطوهري
تميل النفوس بطبيعتها إلى ما يشبهها، فالعقل يبحث عمّا يكمله، والقلب ينجذب لما يرى فيه انعكاسًا لذاته ، لذلك نجد أن ما يراه شخصٌ لا قيمة له قد يراه آخر كنزًا، وما يُعرض عنه البعض يتشبث به آخرون بشغف، لأن كل إنسان يرى العالم بعدسة نفسه، لا بعدسة الحقيقة المطلقة.
النفوس الناقصة تبحث عمّا يسدّ نقصها، والعقول الضعيفة تفتش عمّا يبرر عجزها. وهنا يكمن سرّ اختلاف الناس في أهوائهم وأذواقهم: فمعدن الذهب لا يختلف عن الحجر في نظر من يفتقد بصيرة التمييز، ولكل عقل منطقه، ولكل نفس هواها. وما أكثر ما يُهمل الناس قيمًا عظيمة، ليس لجهل دائمًا، بل لأن نفوسهم لا تجد فيها ما يشبهها أو يوافق رغبتها.
الحكمة الحقيقية هي أن ندرك أن قيمة الأشياء لا تتحدد برغبات النفوس، وإنما بميزان العقل والحق. فليس كل ما طُلب يستحق أن يُطلب، ولا كل ما هُجر كان بلا قيمة.
لذلك، كن حريصًا على أن تسمو نفسك، فلا تلتقط ما تسقطه النفوس الضعيفة من هوى ورغبات زائفة، بل اجعل معيارك القيم والمبادئ، وكن ممن يميز الجوهر وسط غبار الأهواء. فالعظمة ليست في جمع ما يلمع أمام العيون، بل في رؤية ما لا يراه الكثيرون، والتمسك بما يثبت الزمن أنه الحق.
ارتقِ بنفسك، وعلِّمها أن لا تُقاس بالقشور، ولا تُستدرج لما يسقط من الآخرين. فالقيمة الحقيقية أن تختار ما يرفعك، لا ما يرضي هواك. وتذكّر دائمًا: ما يتركه الناس خلفهم ليس دليلًا على خوائه، بل قد يكون كنزًا ينتظر بصيرة صافية تلتقطه.