بيولوجيا الانتماء الوطني

غاده حمود الحويطي
الانتماء الوطني في حقيقته شعور أصله أفعال وأفكار مُحِبَّة ومُستحسِنة للمكان وأنظمته وقيادته وأفراده وخيراته وما يقدمه، ومُقدِّرة لظروفه ومتكيفة ومستجيبة لها بهدف تحسينها أو التعايش معها، وهذا الشعور يبقى حتى لو تغيّرت الظروف.
وقد فُطِرت جميع المخلوقات الحية على الانتماء الوطني، ولذلك تشترك في موقع جغرافي تحدده، وتدافع عنه حتى يزول الخطر.. وكأنها تردد : “وطنٌ لا نحميه، لا نستحق العيش فيه”وهنا يأتي السؤال : هل الانتماء للوطن فطرة أم عادة مكتسبة أم قرار مدروس؟
الجواب : بالنسبة للإنسان فالانتماء هو حاجة نفسية ضمن الحاجات الأساسية للمخلوق الحي ليعيش سويًا متزنًا، تبدأ بالانتماء للأسرة الصغيرة- والديْن وإخوة- لتتسع دائرة الانتماء فتشمل الأقرباء وذوي الرحم، ثم تتسع الدائرة وتتفرع لتشمل مجتمعات الأصدقاء وزملاء العمل والنادي ومن شابههم، لتصل في دائرةٍ أبعد إلى “الوطن”. والبيئة السوية توفر الاحتواء الذي يكفل الانتماء.
فلا أحد سينتمي لبيئة لا توفّر احتياجاته، وإذا ما وفّرت بيئته احتياجاته فهو سيعيش فيها وسيعمرها تلقائيًا استجابةً لاحتياجاته، وهذا ما ينقلنا ببساطة لتعريف الانتماء الوطني-من وجهة نظر التربية وعلم النفس- وهو باختصار “الحقوق والواجبات”؛ فمثلما لك حقوق من وطنك، عليك واجبات تؤديها، والنتيجة وطن آمن عامر.
وبالمناسبة، الحقوق لا تعني الطمع والمقارنة بما لدى الشعوب الأعلى دخلًا أو الأكثر رفاهية؛ بل توفير الأساسيات، أما الرفاهية فكل فرد مسؤول عن توفيرها لنفسه ومن يعول في ظل وطن يؤيّد ويدعم.
وإذا أردنا تقييم الانتماء الوطني في وطننا (المملكة العربية السعودية) سنجده محققًا لنتيجة الانتماء؛ فهو آمن عامر علميًا وفكريًا، واقتصاديًا، وفنيًا… بفضل الله ثم بجهود أبنائه من قادة وأفراد.
ولذلك نجد السويّ نفسيًا منتمٍ لوطنه، حتى لو تركه إلى غيره من البلاد لأي سبب، ويتغنى به ويبوح بولائه وحبه وشوقه، بل ان المغترب يَظهر تعبيره جليًا وأكثر تأثيرًا من غيره بسبب فقدانه الحسي لما ينتمي إليه.
وما السلوكيات التي تشذّ عن فطرة الانتماء الوطني إلا نتاج سببيْن:
إما “سلوك تعوُّد” مكتسب قد يحصل للإنسان أو لغيره من المخلوقات. أو بسبب “بيئة لم توفر الاحتواء” على مستوى الأسرة، أو الأقرباء أو غيرهما، فاختلت لدى الفرد حاجة نفسية مهمة هي “الانتماء” وخللها أثّر على كل انتماء شاملًا الانتماء للوطن.
نصيحتي للوالديْن: قدِّما رعاية وحبًا واحتواء، فلا أسوأ من غربة شخص في بيته.