ذاكرة الحياة

هيلة البغدادي :
الصباح يشع بنوره لينير للجميع، لا يفرّق بين من تقبله ومن أعرض عنه. كذلك هم كبار السن، يضيئون بخبرتهم، ببركتهم، وبحكمتهم، لا يلتفتون إلى من يجهل قدرهم أو يقلل من شأنهم.
إنهم كالشمس التي تمنح ضوءها بلا تفرقة، وكالنسيم الذي يمرّ فيمنح الحياة بلا حساب. فلتكن نظرتنا إليهم بامتنان واحترام، فهم الرصيد الحقيقي الذي يحفظ للأيام معناها، وللقلوب سكينتها
كبار السن هم جذور الشجرة التي نستظل بظلها، وذاكرة الحياة التي نحيا ببركتها. لكن في زحمة العصر وتتابع الأحداث، قد يغفل الجيل الجديد عن قيمة من صنعوا لهم الطريق ومهدوا لهم سُبل العيش.
إن نظرة الجيل الجديد لكبار السن يجب ألا تكون نظرة ضعف أو عجز، بل نظرة امتنان وتقدير. فهم يحملون بين تجاعيد وجوههم قصص الصبر والكفاح، وفي كلماتهم حكمة تختصر أعمارًا من التجربة.
كل كلمة من كبير هي درس، وكل دعاء منهم بركة، وكل ابتسامة لهم حياة. فلنغرس في قلوب أبنائنا أن احترام الكبير ليس مجرد سلوك اجتماعي، بل عبادة وقيمة أخلاقية، بها تستقيم النفوس وتزكو الأرواح
ومن المؤسف أن يُختزل الكبار في نظر بعض الجيل الجديد بعجزٍ لم يأتِ بعد، أو بضعف لم يُصبهم، فيُنظر إليهم باحتقار أو يُعاملون بتقليل من شأنهم، حتى وهم في كامل قواهم الصحية والفكرية.
بالأمس في مطار المدينة، مرّت أمامي مشاهد اختصرت الكثير من الحكايات.
سيدة وقفت أمام صاحب مقهى تسأله عن نوع من البسكويت، فأجابها باستخفاف: “هذا قاسي يا خاله”، وكأنها لا تملك القدرة على تناوله. فردت بكل ثقة: “أنا أستطيع أكله”، في كلمات قليلة لكنها تحمل كرامة كبيرة. لم يكن الأمر في البسكويت، بل في النظرة التي تُشعر الكبار بأنهم أقل مما هم عليه.
وفي زاوية أخرى، تقدّمت سيدة أنيقة، بهيئة أستاذة وقورة، نحو إحدى الموظفات تسألها بابتسامة: “عندكم قهوة؟” فجاءها الرد جارحًا باحتقار: “فيه.. لكن بفلوس.” وكأنها تُلقي في وجهها إهانة مستترة. فأجابت السيدة بهدوءٍ لا يخلو من عزّة: “أعلم أنه بفلوس.”
لتختتم الموقف بكرامة وهدوء، لكنها تركت رسالة بالغة: ليس العيب في السؤال، بل في طريقة الجواب.
هكذا تكشف تفاصيل صغيرة حجم الفجوة بين جيلٍ يعرف للذوق والاحترام مكانته، وجيلٍ يظن أن خفة الكلمة لا تترك ندوبًا .
إن هذا السلوك لا يُنقص من مقام الكبار، بقدر ما يكشف فراغًا في نفوس من يمارسه. فالكبير قيمة، وإن لم يَشِب شعره، وحكمة، وإن لم يُعلِنها بصوت مرتفع. إنهم رصيد التجارب، وذاكرة الحياة، ومصدر الأمان لمن عرف مكانتهم.
فلنعلّم أبناءنا أن احترام الكبير لا يقف عند الضعف والعجز، بل هو مبدأ ثابت، وعادة نبيلة، وميزان أخلاقي لا يسقط مهما تغيّرت الأزمنة. ومن لا يوقر كبيره اليوم، فلن يجد غدًا من يوقره حين يكبر
اللهم ارزقنا نفوسا طيبة ترى السعادة في إسعاد الأخرين
ذاكرة الحياة
تصوير واقعي لتعامل الشباب مع كبار السن
فلقد نسى هؤلاء الشباب الأيدي التي كافحت وبنت هذا الصرح الذي ينعمون بخيراته في ظل حكومة رشيدة وأمن وأمان فسلمت يداك د. هيلة فقد وفيتِ وكفيتِ الموضوع من جميع جوانبه
كلام جميل
لا فض فوك
أخصائي اجتماعي نفسي
مقال رائع بروعة الكاتبة فعلا يستاهل كبار السن التقدير والاحترام
صالح الشهري
جزاك الله خير ورحم الله والديك