الدَّافِعِيَّة… الطَّاقَةُ الصَّامِتَة الَّتِي تُصْنَعُ الْفَرْق

نواف بن سفر العتيبي
في كل عام دراسي جديد، نرى الجهود تتضاعف والخطط تتوالى، لكن النجاح الحقيقي لا تصنعه القرارات وحدها، بل تصنعه الدافعية.
هي العنصر الخفي الذي لا يُقاس في التقارير، لكنه يظهر في عيون المعلمين وهم يشرحون بشغف، وفي طلابٍ يتعلمون بإصرار.
كل تطور في التعليم يبدأ من هذه الشرارة الداخلية، التي إن خبت، تلاشى معها كل إنجاز مهما كانت الموارد متاحة.
لهذا، لم يعد السؤال: كيف نُدرّس؟
بل كيف نُحيي الدافعية في قلوب من يُعلّم ومن يتعلّم؟
الدافعية .. جوهر التعليم وحياة الأداء في كل مدرسة هناك ما هو أعمق من الجداول والمقررات. هناك طاقة خفية تُحرّك العطاء وتُلهِم الإنجاز، اسمها الدافعية.
هي ما يجعل المعلم يقدم درسه بروحٍ مختلفة، والطالب يسعى وراء المعرفة بدافعٍ ذاتي لا انتظارًا لدرجات أو مكافآت.
وحين تكون الدافعية حاضرة، يتحول التعليم إلى رحلة ممتعة، والجهد إلى متعة، والنتائج إلى نجاح حقيقي.
لكن عندما تغيب، تُصبح الحصة واجبًا روتينيًا، ويتحول الأداء إلى تكرار بلا أثر.
ما هي الدافعية؟
هي المحرك الداخلي الذي يدفع الإنسان نحو هدفه بثقة واستمرار.
بالنسبة للمعلمين والمعلمات، تعني الإيمان بأهمية الرسالة التعليمية والرغبة في التأثير الإيجابي في حياة الطلاب.
وبالنسبة للطلاب والطالبات، فهي الشغف بالتعلم والرغبة في الفهم والاكتشاف وتحقيق الذات.
الدافعية هي ما يجعل التعليم تجربة إنسانية نابضة، لا عملية ميكانيكية جامدة.
أثر الدافعية في التعليم:
المعلم المتحفز يشعل الحماس في طلابه دون أن يتحدث كثيرًا.
يبتكر، يبدع، ويتعامل مع كل درس كأنه فرصة جديدة للتأثير.
والطالب المتحفز يتحول من متلقٍ إلى باحث، ومن حافظٍ إلى مفكر، فيرتفع مستوى نواتج التعلم وتزدهر المدرسة بطموح أبنائها.
أما حين تغيب الدافعية، فإن العملية التعليمية تتحول إلى أداء شكلي، وتفقد المدرسة قدرتها على الإلهام.
كيف نحقق الدافعية؟
بالقدوة الحسنة من القادة والمعلمين.
بالتحفيز اللفظي والمادي العادل والمستمر.
بتهيئة بيئة تعليمية يشعر فيها الجميع بالتقدير والانتماء.
بربط الدروس بحياة الطلاب اليومية ليشعروا بقيمتها.
بتقدير جهود المعلمين وتشجيعهم على التطوير المهني والابتكار.
كيف نحافظ على الدافعية وننميها؟
بوضع أهداف واضحة قابلة للتحقيق.
بالعدالة في التقييم وتقدير الجهد لا النتيجة فقط.
بالاحتفاء بالإنجازات الصغيرة دون انتظار المثالية.
بإشراك الطلاب في صنع القرار داخل المدرسة.
ببناء ثقافة التعاون بين المعلمين بدلًا من المنافسة الفردية.
دور صناع القرار والأسرة والمجتمع:
الدافعية لا تُخلق في الصف فقط، بل في بيئة تحترم الجهد وتؤمن بالإنسان.
على صناع القرار أن يوفروا مناخًا إداريًا مرنًا ومحفزًا يقدّر الأداء المتميز ويكافئه بصدق.
وعلى الأسرة أن تبث في أبنائها الثقة وحب التعلم لا الخوف من الفشل.
أما المجتمع، فمسؤوليته أن يُعيد للمعلم مكانته، وأن ينظر للتعليم بوصفه استثمارًا في المستقبل لا مجرد وظيفة.
حين تتكامل هذه الأدوار، ينهض التعليم من داخله، ويصبح النجاح عادة لا استثناء.
الخاتمة:
الدافعية ليست شعارًا يُرفع، بل نبض يجب أن يُصان.
هي سرّ العطاء في المعلم، وبداية التميز في الطالب.
وحين نحافظ على جذوتها مشتعلة، نصنع تعليمًا حيًا، ومدارس تنبض بالحياة، وجيلًا يعرف لماذا يتعلم، لا فقط ماذا يتعلم.
فحيث توجد الدافعية، يولد التميز… وحيث تغيب، يتوقف النمو.