أهم الاخبار


مَشَاهِير الْوَهْم.. صِنَاعَة بِلَا مَضْمُون



نواف بن سفر العتيبي

لم تعد الشهرة اليوم ثمرة تميّز أو علم أو إنجاز، بل أصبحت ساحة مفتوحة يتصدرها من يملك الجُرأة لا الفكرة، ومن يجيد الظهور لا العطاء.

امتلأت المنصات بأسماء تلهث خلف الأرقام، لا تحمل مؤهلاً ولا مضموناً، لكنها تحصد المشاهدات وتبيع الوهم للناس في ثوب التأثير.

يتحدثون عن كل شيء دون معرفة، وينتقدون دون فهم، ويقدّمون التفاهة بأسلوبٍ يستهوي ضعاف الوعي ويُغري الباحثين عن المتعة الفارغة.

من الذي صنع هؤلاء ؟
إنها منصات التواصل الاجتماعي التي منحت الضوء لمن لا يستحق، وفتحت الطريق أمام من يتقن التمثيل أكثر من التفكير.

ومع غياب الرقابة، تعدّى بعضهم الحدود، فمارسوا الكذب في الإعلانات، وخدعوا المتابعين بمنتجاتٍ لا تمتّ للحقيقة بصلة.

يتربّحون من التضليل، ويعبثون بعقول الناس، دون أن يُحاسَبوا أو يُوقَفوا عند حدّهم.

ولم تتوقف الظاهرة عند الرجال.

كثير من الفتيات انسقن وراء بريق الشهرة، فحوّلن أنفسهن إلى سلعةٍ للمتابعين، يقدمن محتوى منحطاً يخالف الشرع والعُرف والتقاليد.

بعضهن أرخصن أجسادهن وكرامتهن مقابل المال، بل ادّعت بعضهن أنهن سعوديات لتشويه صورة المرأة السعودية المتزنة.

إنهن لا يمثلن إلا أنفسهن، ومجتمعنا بريء من هذا الانحدار الأخلاقي.

ولهذا، فإن على المجتمع بمختلف أطيافه أن يقف صفاً واحداً ضد هذا العبث، كلٌّ في مجاله، لحماية القيم وصيانة الذوق العام من هذا الانحراف السلوكي.

والمؤلم أكثر أن المتابعين أنفسهم أسهموا في تضخيم هذه الفئة وتمكينها.

فقد انشغل الشباب والفتيات بملاحقتهم، وانجرفوا وراء مظاهرهم الخادعة، دون وعيٍ بخطر ما يقدمون.

أما كبار السن من الرجال والنساء، فبعضهم عزّز هذه النماذج بمتابعتهم وتشجيعهم، وهو ما أعطاهم شرعية زائفة في مجتمعٍ عرف بأصالته وارتباطه بدينه وتقاليده.

لقد اختلت الموازين ، وأصبح المقياس هو عدد المتابعين لا نوعية المحتوى، وانتشر الوهم حتى صار التفاهة تُصفّق لها الجماهير.

إن مواجهة هذا الانحدار مسؤولية الجميع الأسرة، المدرسة، الإعلام، والجهات الرقابية، جميعها مطالبة بالتحرك لحماية النشء من هذا التلوث الفكري والأخلاقي.

يجب أن تُعاد للشهرة هيبتها، وأن تكون ثمرة جهدٍ حقيقي، لا مجرد مظهرٍ أجوف.

فالمؤثر الحقيقي هو من يترك بصمة فكرية وأخلاقية، لا من يثير الجدل والضحك السخيف.

وقفة:

أيها الشاب.. أيتها الفتاة..

احذروا من الانبهار ببريقٍ زائل.

لا تجعلوا عقولكم سلعة في يد من يبيع الوهم باسم الترفيه.

تذكّروا أن القيمة لا تُقاس بالشهرة، بل بما تقدّمه من أثر نافع وخلق كريم.

احموا أوقاتكم وعقولكم وهويتكم من هذا التيار الذي لا يُنتج إلا الفراغ.

فالشهرة الزائفة لا تصنع احتراماً، بل تُسقط صاحبها في أول اختبارٍ حقيقي أمام الحياة.


5 /5
Based on 2 ratings

Reviewed by 2 users

    • 11 ساعة ago

    شاكر ومقدر لمشاعرك النبيلة

  • رد على الكاتب نواف بن سفر العتيبي

    أحسنت وأجدت يا أستاذ نواف، فقد لامست بكلماتك واقعًا مؤلمًا يعيشه مجتمعنا في زمنٍ اختلطت فيه المعايير، وغابت فيه القيم خلف بريق الشهرة الزائفة.
    لقد عبّرت بصدق عن حالة الانحدار التي أصابت بعض المحتوى المنشور، وعن مسؤولية المجتمع في مواجهة هذا التيار الذي يهدد الوعي والذوق العام.

    ما كتبته ليس مجرد مقال، بل صرخة وعي تُعيد التذكير بأن الشهرة الحقيقية لا تُقاس بعدد المتابعين، بل بما يقدمه الإنسان من أثر نافع وفكرٍ راقٍ وسلوكٍ قويم.
    كلماتك دعوة صادقة لإعادة الاعتبار للقيمة، وإحياء المعنى الحقيقي للتأثير، وتأكيد أن الأصالة والفكر الراقي لا يغيبان مهما علا صوت التفاهة.

    شكرًا لك على هذا الطرح الواعي، ونتمنى أن تجد كلماتك صداها في النفوس، وأن تكون بدايةً لحراكٍ مجتمعي يُعيد التوازن والاحترام للمحتوى الهادف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  • Rating


مواضيع ذات صلة بـ مَشَاهِير الْوَهْم.. صِنَاعَة بِلَا مَضْمُون

جميع الحقوق محفوظة لصحيفة الراية الإلكترونية © 2018 - 2025

تصميم شركة الفنون لتقنية المعلومات