السلام الأبدي
الدكتورة/هناء الهور:
أستاذ مشارك جامعة الأمير فهد بن سلطان
في كيمياء الحياة لا تسير المعادلات على نحوٍ منضبط كما في مختبرات الجامعات، بل تُدار خلف الأبواب الموصدة، على طاولاتٍ مستديرة تحيك حولها النفوس مؤامراتها بخيوطٍ من رغبةٍ ومصلحةٍ وخداع. نرسم الخطط بأدق أدوات الدقة الألمانية، لكن النتيجة تأتي واهيةً، كسلعةٍ رخيصةٍ من سوقٍ، لا تحمل من الجودة سوى الاسم.
وفي مسرح الحياة، تتقن البشرية فنون التنكر أكثر من إتقانها لفنون العيش؛ فلكل يومٍ قناعٌ جديد، نرتديه بحسب المناسبة، نُغيّر ملامحنا كما تُغيّر الفصول ألوانها، حتى ضاعت ملامحنا الأصلية في زحمة الوجوه. نضحك بوجوهٍ مستعارة، ونواسي بعباراتٍ محفوظة، ونُصافح بأيدٍ باردةٍ كأنها لم تعرف دفء الصدق يومًا. كأنّ الأرحام لم تعد تُنجب ابتسامةً صافية أو كلمةً تولد من رحم النقاء، فكل شيءٍ بات مستعارًا حتى المشاعر.
أما العطور الفرنسية، فتكسب السباق كل يوم، تغلّف عفن النفوس برائحةٍ فاخرة، وتغطي تعفّن القلوب التي لم تجد العلم ولا الطب سبيلًا لشفائها.
ويبقى للروح شأنٌ آخر؛ إنها العالِمة بما جهلت العقول، المثقلة بما لا تُحصيه الأوزان، المرهقة من دنيا فقدت كيمياءها، وتجاوزت حدود المنطق والجمال والصدق معًا. دنيا تتقن الخداع كما تتقن الزيف، تُغري ببريقها من يلهث وراءها، حتى إذا اقترب من سرابها، أسلمته إلى الهاوية.
لكن وسط هذا الركام من الوجوه والعطور والادعاءات، يظل هناك نور لا يخبو، يضيء ما تبقى من صدقٍ فينا، ويغذي أرواحنا بشهيق الطمأنينة وزفير الرحمة.
إنه الكلام الذي لا يعتريه زيف، المعجزة التي حفظت للروح اتزانها في فوضى الكون — إنه القرآن الكريم، إكسير الحقيقة والسلام الأبدي.



