المعلم بين البصمة ورسالة الخلود!!
عبدالمحسن محمد الحارثي
حين تُقاس الرسالة ببصمة، ويُحاصر العطاء بقرار مكاني ، المهنة التي لا تشبه غيرها.
منذ أن بدأ تطبيق نظام البصمة الإلكترونية للحضور والانصراف على المعلمين والمعلمات ؛ تعالت أصوات الاستياء في الميدان التربوي. فالمعلم ليس موظفًا يؤدي عملاً روتينيًا، بل صاحب رسالةٍ سامية قال عنها الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله – : “المعلم هو صاحب الرسالة الأولى في بناء الإنسان السعودي القادر على خدمة دينه ووطنه”.
فالمعلم لا ينتهي عمله بانصرافه من المدرسة، بل يستمر في بيته تحضيرًا وتخطيطًا وتفكيرًا.
إنَّه يعيش مع كل طالب فكرة، ومع كل درس رسالة، ومع كل نجاح مسؤولية جديدة.
البصمة لا تُقيس الرسالة ، وإن تطبيقها على مهنة التعليم ؛ يختزل الجهد الذهني والنفسي للمعلم في دقائق حضورٍ وانصراف..قال أفلاطون:
“الذي يعلّم الأطفال يُكرَّم أكثر من الذي ينجبهم، لأن الأول يمنحهم فنّ الحياة».
كما قال الملك عبدالله بن عبدالعزيز-رحمه الله-:
“مهنة التعليم رسالة مقدسة، والمعلمون والمعلمات هم الشركاء الحقيقيون في التنمية والبناء».
فكيف تُقاس هذه الرسالة ببصمةٍ جامدة لا تعي ما يبذله المعلم داخل الفصل وخارجه؟
قال التربوي جون ديوي: «التعليم ليس استعدادًا للحياة، بل هو الحياة ذاتها».
فهل يُعقل أن نختزل الحياة في وقتٍ آلي؟!
العقود المكانية.. قيدٌ على الإنسانية ، فُرضت في السنوات الأخيرة وزادت من معاناة المعلمين، إذ رُبطوا بوظائف تبعد عن أسرهم مئات الكيلومترات، بل وأحيانًا أكثر من ألف.
أصبحت تلك العقود حُكماً مؤبداً في مناطق نائية، تسببت في ضغوط نفسية وأسرية قاسية، وأدت إلى تسربٍ وظيفيٍ مؤلم.
قال الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله –:
“نهضة الوطن تبدأ من المدرسة، والمعلم هو قلبها النابض».
فكيف ينهض القلب وهو غريب ، مثقل بالبعد عن أسرته واستقراره؟
إنَّ بصمة المعلم في العقول لا على الأجهزة ، فهو لا يرفض النظام، لكنه يطلب تطبيقه نصًا وروحًا، لا نصًا فقط؛ فالروح هي العدالة والمقصد، أما النص فوسيلة لتحقيقها.
بصمته الحقيقية ليست على جهاز، بل على عقول الأجيال وقلوبهم، حيث يترك الأثر الذي يبني الأوطان.
قال ابن القيم رحمه الله:
“العلم حياة القلوب، والمعلم هو سبب تلك الحياة».
نداء وتوصيات من الميدان التربوي ، لإن الإنصاف للمعلم ضرورة وطنية لا رفاهية، ومن هنا تتلخص مطالب الميدان فيما يلي:
1. تطبيق الأنظمة نصًا وروحًا؛ فالقانون يجب أن يخدم العدالة لا أن يُرهقها.
2. إلغاء العقود المكانية التي تحرم المعلمين من حقهم الإنساني في الاستقرار الأسري، مع فتح فرص التعيين في كل مناطق الوطن، وإتاحة النقل الخارجي العادل للجميع.
3. مراجعة نظام البصمة ليعكس طبيعة المهنة الفكرية والإنسانية، لا مجرد الوجود المادي.
4. تقدير المعلم معنويًا ومهنيًا بوصفه حجر الأساس في التنمية، كما قال ابن رشد:
«العلم يُثمر إذا كُرّم أهله».
إن التعليم لا يُصلح بالأوامر، بل بالثقة في من يحمل رسالته.
ولأن الوطن لا ينهض إلا بعقولٍ تُنير ؛ فإن أول خطوة نحو النور أن نرفع عن المعلّم قيود البصمة والعقود المكانية ؛ ليبقى عطاؤه حرًّا، وضميره حيًّا،
ورسالتُه خالدة:
“نورًا يهدي العقول، ويُثمر في الأجيال، ويُخلّد في الأوطان”.



