الحظ السعيد
الدكتورة /هناء الهور
أستاذ مشارك جامعة الأمير فهد بن سلطان
في زحمة الحياة كثيراً ما نصطدم بحقيقة أن الطريق لا يُمهَّد دائماً نحو أحلامنا. تتعثر خطواتنا، وتخبو في داخلنا شعلة الأمل التي كانت يوماً تضيء أرواحنا، حتى يغدو الأمل نفسه كنبضةٍ خافتة في جسدٍ أنهكه الانتظار. غير أن سرّ الحياة لا يكمن في تحقيق كل ما نريد، بل في إدراك أن الكفاح بحد ذاته هو المعنى الحقيقي للوجود.
نحن نخطئ حين نحصر السعادة في لحظة الوصول، فالحياة ليست خطاً مستقيماً ينتهي بإنجاز أو نجاح، بل هي مسيرة مليئة بالمحاولات والتجارب، بالخذلان تارةً وبالانتصار تارةً أخرى. في الطريق نتعلم الصبر، ونكتشف قوتنا، ونفهم أنفسنا أكثر مما كنا نعرفها. لذلك، المتعة الحقيقية ليست في بلوغ القمة، بل في الصعود ذاته، في كل خطوةٍ نتغلب فيها على ضعفنا ونمضي رغم الخوف.
خلقنا الله مختلفين، وجعل هذا الاختلاف سرّ عدله. فليس في تباين الأرزاق ظلم، بل توازن عميق يضمن أن لا أحد يملك كل شيء، ولا أحد يُحرَم من كل شيء. كل إنسانٍ يملك نصيبه الذي يكفيه ليكون هو، لا أكثر ولا أقل. أحدنا قد يُرزق جمالاً، وآخر ذكاءً، وثالث قلباً صبوراً، ورابع صحةً تعينه على الكفاح. إن هذا التنوع هو ما يصنع جمال الحياة، إذ يجعل كل فردٍ حلقةً فريدة في سلسلة الإنسانية.
ولكي نحيا حياةً متوازنة، علينا أن نجعل الرضا والطموح صديقين إلى الأبد؛ نسعى نحو الأفضل، نعم، لكن دون أن ننسى الامتنان لما نملك، وأن نحمد الله على ما أعطى، صغيراً كان أم كبيراً. فالشكر يزيد النعم، والرضا يمنحنا طمأنينة لا تُشترى، والطموح يبقينا على قيد الحلم، فلا نسقط في الركود ولا نحترق بالطمع.
كما أنه من المهم أن يكون كلٌّ منا مدركاً لما يحتاجه حقاً، لا لما تسوقه له الحياة من رفاهيةٍ زائفة وبذخٍ لا نهاية له. فليس كل ما يُعرض علينا ضرورة، وليس كل ما يلمع ذهباً. إن معرفة الإنسان لاحتياجاته الحقيقية تمنحه حريةً داخلية ووعياً عميقاً يجعله يعيش بسلامٍ مع نفسه ومع العالم.
وفي النهاية، لا أحد يعلم ما هو الحظ السعيد فلكلٍ منا ميزانه ومعياره، ولكن تبقى المحاولة في ذاتها نوعاً من الحياة، لأن القلب الذي يحاول لا يموت، والنفس التي تكافح لا تُهزم. فالكفاح ليس وسيلةً للوصول، بل هو حياة قائمة بذاتها، فيها معنى الوجود، ونبض الأمل الذي لا ينطفئ.



