عبق الكرم في القديم
د هيلة البغدادي :
في زمنٍ مضى، كان للبيوت رائحةُ خبزٍ ساخنٍ تُنادي الجيران،وكانت القلوب تُفتح قبل الأبواب،والضيافة تبدأ بالابتسامة قبل الطعام.
كانت الأم تُعدّ القهوة بنَفَس الحبّ،والأب يفتح الباب بقلبٍ يتسع للجميع،وكانت الموائد البسيطة تغمرها بركة النية،فلقيمات قليلة كانت تكفي جمعًا غفيرًا، لأن البركة كانت تحلّ حيث الصدق والكرم يجتمعان.تلك البيوت لم تكن فخمة ولا مزخرفة، لكنها كانت عامرةً بالودّ، تتلألأ بالعطاء،وكان الكرم فيها سجيّة لا مناسبة، وفعلًا من القلب لا من العادت تعلّمتُ منذ طفولتي أن الضيف ليس زائرًا عابرًا،بل هو ضيف الله، وأن إكرامه عبادة قبل أن يكون عادة.كان أبي – رحمه الله – وأمي – رحمها الله – يردّدان دائمًا:“أكرموا ضيوفكم، فالله يرسلهم بركةً إلى بيوتكم.”ومنذ ذلك الحين، أدركت أن الكرم ليس في وفرة المال،بل في وفرة النية الطيبة والعطاء من القلب.كان والداي يُبالغان في الإكرام لا رياءً ولا تفاخرًا،بل حبًّا ورضًا وسعيًا في الخير،يؤثران على أنفسهما ولو كان بهما خصاصة،فيقدمان الغالي والنفيس بوجهٍ مبتسمٍ وقلبٍ راضٍ،فيُبارك الله في البيت والرزق والعمر.
لهذا أرى أن الدعوة للتقليل في الضيافة بحجة “البساطة”
هي حجةٌ واهيةٌ إن ألغت أصل الكرم.فالبساطة لا تعني البخل،ولا التخفيف يعني تجاهل الواجب،صار الكرم في الضيافة عند بعضهم يُتَّهم بالإسراف متغافلين أن الله أمرنا بإكرام الضيف والمبالغة في الحفاوة به، قال تعالى عن خليله إبراهيم عليه السلام:
“فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ”
اختار الأفضل والأجود، لا ليبهر، بل ليُكرم.فالكرم سخاءُ روحٍ صادقةٍ تفرح بالعطاء. ولكن حين غاب الكرم عن الأبواب أصبحنا اليوم نمرّ بزمنٍ غريب؛زمنٍ تتزيّن فيه الموائد بالصور لا بالضيوف، وتُغلق فيه الأبواب التي كانت بالأمس مشرعةً للناس بحفاوةٍ وابتسامة.
تغيّر حال القلوب، فقلَّت الدعوات،وتوارى إكرام الضيف خلف حجّةٍ واهية تقول:“لا داعي لذلك…!”
او يعتبروه إسراف فلم نعد نرى من يدعو للضيافة إلا نادرًا، فنّ الكرم أصبح عادةً قديمةً طواها الانشغال والترف،رغم أن المبالغة ما زالت قائمة ، ولكن في كل ما لا ينفع!نُبالغ في المظاهر والمشتريات والولائم الخاصة، وننسى أن البركةالحقيقية تسكن في اللقمة التي تُقدَّم بمحبةٍ لضيفٍ كريم.يا ليتنا نُعيد للكرم مكانته في حياتنا، فهو خُلق الأنبياء، ووسام المروءة،وبه تُحيي المجتمعات دفء العلاقات وتقدير الناس لبعضهم.ولعلّ أجمل ما قاله الآباء:“من أكرم ضيفه، أكرمه الله في رزقه وعمره وذريّته.”فإكرام الضيف لا يُنقص مالًا، بل يفتح أبواب البركة،
ويُورّث في النفوس أثرًا لا يُنسى.
واليوم، مهما تغيّرت الحياة وتبدّلت العادات،يبقى عبق تلك الأيام شاهدًا على جمال البساطة وصدق المحبة، ويذكّرنا أن الكرم الحق لا يُقاس بما نُقدّم،بل بمنزلة الضيف في القلب، وبصدق النية في العطاء.
اللهم أحيِ في قلوبنا خُلق الضيافة،واجعل بيوتنا عامرةً بالمحبة والبركة،ولا تجعلنا من الغافلين عن سنة الكرم، وارزقنا لذّة العطاء من غير رياءٍ ولا منّة.




عبق الكرم في القديم
بارك الله فيك على هذا الطرح القيم والذي تناول صفة من أجمل صفاتنا كعرب وهي الكرم والتي افتقدناها في هذه الأيام بسبب المبالغة في الضيافة
سلمت يداك فقد تناولتِ الموضوع من جميع جوانبه بأسلوب شيق وتعبيرات جاذبة بارك الله فيك
مقال جميل د. هيله ولو ان الكثير من الناس في المدن للأسف هجروا زيارة البيوت بشكل لافت فأتحهوا للكفيهات او المخيمات او الحدائق او خلافه ،، هذا الهجر اوجد للأسف ابتعاد للأجيال الشابه عن التمسك بالعادات والتقاليد التى تمارس في المجالس ومنها الكرم فأصبح ممارسة هذه العادة لدى الأجيال الشابه في اندثار وكما ذكرت سببه هجر الزيارات للمنازل والتوجه للكفيهات مجارة لرتم الحياة الحديث فأصبح الشباب كلاً يكرم نفسه فقط او اصبحوا الشباب يحاكوا الغرب في تصرفاتهم كلاً يكرم نفسه ،، حتى تعود صفة الكرم كما كانت لابد ان تعود الزيارات المنزلية والمحافظه عليها وتعويد النشأ على ممارسة هذه العادة الحميدة ….
إبداع بالطرح الذي ينم عن عاده متأصلة بالنفوس البشريه السليمه وهي عادة الأنبياء قبل العامه استمري بنتي
الكرم صفة العرب الازليةً
جزء من قيمنا وعادتنا العربية الأصيلة اكرام الضيف حتى قبل الاسلام حيث ينحر الأعرابي جمله لتقديمه لضيف احل في حماه .. وجاء الاسلام وعزز صفة الكرم : فقل الرسول الكريم : من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليكرم ضيفه .. ولكن ربما مشاغل الحياة والتكالب على مظاهر دنيوية والتحديات الاقتصادية قد أشغلت الناس عن قيم ومبادي سامية .. شكرا لك استاذة هيلة على الطرح الراقي
كلام في الصميم
نعم اكرام الضيف والاهم استقبال الضيف..اصبح برونوكول الضيافة حجز موعد قبل باسابيع وتجمع مجموعة والمضيفة تجهز البيت وتحجز ضيافة من مطعم وتحضر الصبابات وووو
وعلى الاخريات عمل نفس البروتوكول
فاصبح البعض ينسحب من الدعوه حتى لا يفرض عليها العمل بالمثل…
البساطه مطلوبة ..وان تشتري الضيفات ملابس خاصة بالدعوة والتجمع ..اصبحت الضيافة عبء..حيث ان صاحبة البيت لا تحلس مع الضيوف لانشغالها بمراحل الضيافة..العودة لكرم الضيافة يعيد الدفء والحب للضيوف والمضيف
جزاك الله خيرا
مقال رائع من أستاذة رائعة
بارك الله في جهودك ورفعك بعلمك ونفع بك الجميع
كلام سليم
جزاك الله خيرا
❤️🌹❤️
[email protected]
إبداع وجمال الماضي واجبنا استمرا هذه القيم
فعلا كلام صحيح البركه تحل حيث الضيف والروح الجميله والنية الصافيه مبدعة كعادتك د هيله اخذتنينا في لحظات جميله بعبق الماضي وكرم الأجداد
تعليق
مقال جميل والكرم حثت عليه التعاليم الدينية ومن صفات النفوس السوية ، وبكل اسف اخذ البعض من الحياة المادية المدنية المقتبسة من الثقافات الأجنبية مذهبا بترك الصفات الجميلة التي كان غالب المجتمع يتمتع بهابالاعتياد على ارتياد المنازل بالضيوف وإكرامهم بما أمكن ،وبيوت الكثير الآن كالقصور بناء ولكنها خاوية من بناء الكرم وحب الضيوف ..شكرا للكاتبة الراقية الكريمة التي لها من اسمها نصيب :د هيلة البغدادي