حين تُشوِّه المنابر صورتنا .. من المسؤول؟!
عبدالمحسن محمد الحارثي
لم تَعُدْ الحفلات الخطابية في مناسباتنا مجرّد فعاليات محلية تُقام داخل حدود الوطن ؛ فالإعلام الرقمي اليوم يفتح كل المنافذ، وينقل الحدث في ثوانٍ إلى العالم بأسره.
وهكذا ؛ تتحوّل فقرات الحفل وما يُلقى فيها إلى واجهة تعكس صورة الوطن وثقافته، سواء أحببنا أم كرهنا.
وهنا تكمن المشكلة ؛ إذ يظهر- وفي غير قليل من المناسبات- ضعف لغوي، وعثرات في الأداء، وفقرات يقدّمها “متشاعرون” لا يتقنون من الشعر إلا قافيته المكسورة، ولا من البيان إلا صوته المرتفع.
وقد لخص طه حسين حال المشهد بقوله: «الأدبُ فنٌّ لا يعيش إلا في بيئة تحترم الذوق وتميّز بين الغثّ والسمين».
فإذا غاب هذا التمييز ؛ تسلّل الغثّ إلى المنابر وتصدّر المشهد.
ويؤكد ابن خلدون الحقيقة ذاتها قائلاً: «الإنسان ابنُ عاداته» ، فإن اعتدنا الارتجال والضعف ؛ أصبحا جزءًا من صورتنا العامة.
يزداد الأمر تعقيدًا حين يتولى تقديم الفقرات أشخاص لا يمتلكون أدوات التقديم، ولا لغة الموقف، ولا وعي المناسبة.
ثم يُنقل هذا الأداء -بضعفه وتعثّره – إلى العالم ؛ ليُبنى عليه حكم عام على ثقافتنا وتراثنا.
وهنا نستعيد قول أفلاطون: «كلمة واحدة في غير موضعها قد تُفسد أجمل المواقف» ؛ وهو ما يحدث حين تُسلَّم المنصة لمن لا يحسن الوقوف عليها.
إنّ السؤال المُلِحّ: من المسؤول؟!
الجواب يبدأ منَّا نَحْنُ؛ مِن الاختيار غير الدقيق، ومِن منْح المنابر لمن لا يملكون أدواتها، ومن تجاهل قيمة الكلمة ووزن المناسبة.
وقد قال الجاحظ: «لكلّ مقامٍ مقال، ولكلّ حديثٍ رجال» ؛ فكيف نرضى أن تُدار مناسباتنا على خلاف هذا المبدأ العريق؟!
المطلوب ليس معجزات:
اختيار مُحكم، محتوى متقَن، مراجعة جادّة، واحترامٌ للمناسبة ولصورة الوطن التي تُنقل عبر عدسة لا تُغفل شيئًا.
وهو ما يؤكده أرسطو في قوله: «الإتقان ليس فعلًا..بل عادة».
في النهاية .. إذا كانت المنصّة تتكلّم ؛ فإنها تتحدث باسمنا.
فإن شوّهت صورتنا ؛ فالخلل ليس فيها، بل فيمن صعَدَها، وفيمن سمح له أن يُمَثِّل وطنًا يستحق الأفضل. وعندما نُحسن الاختيار ؛ سيعرف العالم حقيقتنا..دون أن نسأله: ماذا يقول عنّا؟!!



