“الراية” تلتقي بإعلامي تجاوز دور المذيع ليصبح مدرسة في المهنية والقيادة



نورة طالب العنزي 

في زمنٍ تتسارع فيه المعلومة، وتشتد فيه المنافسة على حضورٍ يُرى ويُسمع… يبرز اسمٌ لم يصنعه الحظ، بل صقلته التجربة، ورفعه الميدان، وثبّته الوقوف الطويل أمام عدسات لا ترحم.

إنه محمد المحيا… الإعلامي الذي لم يكتفِ بأن يكون مذيعًا، بل تحوّل إلى مدرسة تجمع بين المهنية والقيادة، فاشتهر صوته قبل أن يُعرف اسمه، وتقدّم في الشاشة كما يتقدّم القائد في الصفوف، بخطى واثقة وملامح تحمل هدوء الخبرة وقوة التأثير.

من عسير حيث بدأ مراسلًا ينقل وجوه الناس ومشاعرهم، إلى الرياض حيث أصبح مذيعًا رسميًا للتلفزيون السعودي… ومن برامج صباحية تُطل مع أول ضوء، إلى برامج رقابية تُحرك ملفات مكافحة الفساد، وصولًا لمئات المتدربين الذين عبروا دوراته وصُنعوا على يديه…
يقف المحيا اليوم بوصفه أحد أبرز الأصوات الإعلامية السعودية التي جمعت بين الموهبة والمهنية، بين الكاريزما والالتزام، وبين الميدان والإدارة.

في هذا اللقاء… نقترب من الحكمة خلف التجربة، ومن الإنسان خلف الشاشة، ومن القائد الذي صنع تأثيره دون ضجيج.

. كيف يصف محمد المحيا البدايات الأولى ودخوله لعالم الإعلام من عسير إلى القناة السعودية؟

البدايات كانت صعبة ومحبطة احيانا وفيها الكثير من التحديات لكن في المقابل كان هناك الكثير من الدعم والمساندة من والدي رحمهما الله ومن المحبين ومن الزملاء في محطة تلفزيون أبها ، تدرجت فيها من متدرب إلى متعاون إلى موظف بنظام الساعات حتى حانت الضرورة إلى الانتقال إلى العمل في الرياض وبعد وصولي واستقراري بحوالي ٨ شهور جاء تعييني الرسمي في اذاعة جدة مكثت فيها سنة ونصف تقريبا ثم عدت إلى الرياض مذيعاً.

. ما المحطات التي شكلت شخصيتك المهنية خلال انتقالك بين عدة قنوات عربية وعالمية؟

كل مكان وكل وظيفة وكل إنسان صادق علمني ووجهني كان له دور في حياتي المهنية وهم كثير ولله الحمد لكن ايضاً كانت لدي رغبة كبيرة وشغف أكبر في الوصول وتحقيق النجاح الذي أريده فعملت فيي قناة الراي مراسلاً لسنتين ومنتج برامج في Mbc لمدة عشر سنوات كتب مقالات وعملت في الافلام الوثائقية منذ بداياتي وكانت تلك المحطات والأشخاص مزيجاً شكل شخصيتي توجتها رغبتي وحبي لعملي ولما افعله في الإعلام بشكل عام.

. عملت مراسلًا، مذيعًا، منتجًا، ومدربًا… أي هذه الأدوار ترك الأثر الأكبر في مسيرتك؟

كلها بدون استثناء مذيعاً ومقدماً محترفاً للأخبار والبرامج ومراسلاً محترفاً ومدرباً في صناعة القادة وفي المهارات الإعلامية لكل مجال متعته ولولا الحب الحقيقي لكل تلك الأعمال لما تمكنت من المضي فيها قدماً.
الميدان هو من يصنع المذيع الناجح ومن لم يعمل في الميدان سيجد لديه نقص كبير في المهارات الصحفية ومهارات صناعة المحتوى الإعلامي.

. ما أبرز التحديات التي واجهتها أثناء تقديم البرامج الرقابية مثل نزاهة؟

التحديات لم تكن يوماً من الأيام عقبة ، وبرنامج نزاهة كان واحد من اهم البرامج التي افتخر اني اول من قدمه على شاشة التلفزيون السعودي مع بدايات تعزيز النزاهة ومحاربة الفساد ، كنا اربعة اشخاص ثلاثة زملاء اعزاء من نزاهة وأنا من التلفزيون أنتجنا حوالي ١٦ حلقة بإمكانات متواضعة لكن المحتوى كان عظيماً جداً كنت ولا زلت افتخر به إلى اليوم لأنه كان تحدياً وكانت المساحة التي نتحرك فيها في المحتوى محدودة ومع ذلك حققنا صدى كبيرا.

. تنقلت بين برامج صباحية متنوعة… ما سر نجاح البرامج الصباحية مقارنة بغيرها؟

البرامج الصباحية هي بوابة المشاهد لبرامج اي قناة وفلسفتي فيها مختلفة من كل الزوايا ، قدمت برنامج قهوة الصباح بعده ( مع الصباح )، ثم كنت احد المؤسسين لبرنامج صباح الخير ياعرب الذي يعرض إلى الان على Mbc

سر النجاح في التخطيط الجيد لما يجب أن يكون عليه البرنامج الصباحي وايضاً النجاح في تنفيذ ذلك البرنامج ، ففي قهوة الصباح ومع الصباح كانت فقرة حركة المرور مع الصديق العزيز ابراهيم ابوشرارة تحقق مشاهدات عالية للبرنامج اضافة إلى التنقل المباشر بين محطات التلفزيون في المملكة والصحافة والتقارير ، كنا احيانا نصلي الفجر في التلفزيون وننطلق عند السابعة صباحا إلى التاسعة ونحن سعداء لأننا كنا ناجحين.

. بحكم تقديمك للأخبار… ما المعايير التي تصنع مذيعًا قادرًا على كسب ثقة المشاهد؟

الكاريزما هي صانعة القبول والقبول من الله كما يقال.
قارئ الأخبار هو مؤدي يؤدي نصوص مكتوبة تحتاج إلى مهارات متعددة من صوت ولغة جسد ومهارات تواصل لايجيدونها بعض ( المذيعين وكل المستذيعين)،

كانت معايير اختيار المذيع من اصعب المعايير لأن الشاشة لها قيمتها الحقيقية ، للأسف في كل القنوات تقريباً سقطت اغلب تلك المعايير واصبح مهنة المذيع سهلة جداً ولا تحتاج إلى شيء لذلك لم نعد نرى النجوم الحقيقيين على الشاشة إلا نادراً.

. أنت مدرّب معتمد، وقدمت عشرات الدورات… ما المهارة الإعلامية التي تشعر أنها الأكثر غيابًا لدى الجيل الجديد؟

إذا كنت تقصدين الجيل الجديد من الإعلاميين فهم بحاجة الكثير من المهارات والتدريب على المهارات والأخلاقيات التي تحكم مهنة الإعلام.
ولكنهم في النهاية او اغلبهم جديد واعد باذن الله إذا لم يدخل مقبرة الاعلام وهي الغرور والتكبر على التعلم.

. هل تغيّرت صناعة الإعلام في السعودية من بداية 2003 وحتى اليوم؟ وكيف ترى مستقبلها؟

بشكل كامل التغيير الذي حدث ايجابي وجعل الإعلام السعودي عملاقاً وهو الأكبر والأقوى والأكثر تأثيراً في المنطقة.
التحولات ايجابية وبالتالي النمو اكثر ايجابية وفعلية من قبل وتحديداً من انطلاق رؤية المملكة 2030 التي شكلت نقلة نوعية في كل المجالات ومنها القطاع الإعلامي.

. كيف استطعت الموازنة بين العمل الإعلامي والدور الأسري، خصوصًا كأب لِـ لمى ولمياء؟

لمى ولمياء وطلال ووالدتهم هم اكبر المحفزين لي في مسيرتي المهنية ، نعم كنت أغيب كثيراً عنهم خاصة البدايات ولا أنسى اني كنت لفترة لا اجتمع معهم إلا على وجبة الإفطار يوم الجمعة ولكن كانت الظروف تفرض ذلك من العمل ودراسة الماجستير ولكن بعد النضج المهني والوصول لهدفي احدث التوازن المطلوب ولم يكن غيابي الكبير إلى حد ما مؤثراً على حياتهم الشخصية او الدراسية لأن والدتهم كانت تستشعر المسؤولية واهمية المرحلة ومضت الأمور بكل نجاح.

. ماذا تعني لك فرصة التحضير لمرحلة الماجستير في الصحافة والنشر الإلكتروني؟

أنا اجهز الان للدكتوراه بعد ان حصلت على الماجستير من ٢٠١٦ في الصحافة مع مرتبة الشرف الثانية ولله الحمد ، الحصول على الدرجات العلمية العليا مع الخبرة المهنية تحدث الفرق في المسيرة الاعلامية حتى من الناحية النفسية وباذن الله عند الحصول على الدكتوراة تكون هناك إنتاجية افضل وخطط جديدة اجمل واكثر ابداعاً.

. ما النصيحة الذهبية التي توجهها لكل إعلامي يقف أمام الكاميرا للمرة الأولى؟

لا تتكبر على الكاميرا ، ونجاحك من يصنعه هو الجمهور وزملاؤك الذين يعملون معك وقدموك للناس ، فكن محترماً مع الجميع لكن يطول عمرك المهني وتعلم دائما لا تتوقف .

. بعد هذه التجربة الواسعة… ما المشروع الإعلامي الذي تتمنى تقديمه ولم يتحقق بعد؟

اصدقك القول المشاريع كثيرة لكن مؤجلة حالياً أنا اقدم برنامج لقاء خاص وهو واحد من البرامج المهمة في مسيرتي وتركيزي الأكبر عليه وعلى مرحلة الدكتوراه قريباً وبعدها لكل حادث حديث.

. ماذا يقول محمد المحيا عن دوره الحقيقي خلف الكواليس مقارنة بما يراه الجمهور أمام الشاشة؟

امانة الزملاء والزميلات جهودهم عظيمة واحيانا يمرون بضغوط ومتغيرات في البرامج بالذات المباشرة ولكنهم يتجاوزونها بكل نجاح
من تحضيرات إلى متابعة إلى تنفيذ من الكنترول إلى كثير من المهام اليومية التي لا تنقطع وهم اكثر من يتعب ولذلك أنا شخصياً استشعر تلك الجهود واشارك فيها احياناً وابذل جهدي لتقديم ما ينجزون بالشكل الذي يوازي الجهد الذي بذلوه.

. كيف ترى تأثير الإعلاميين السعوديين اليوم في تشكيل الوعي وصناعة الرسائل الوطنية؟

مؤثرون مؤثرون لا أحد ينكر ذلك ، ولدينا من الإعلاميين الكبار والذين احدثوا الفرق الكثير من الأسماء ولا اريد أن اعددهم لأنهم كثير ولا اريد أن أنسى احداً منهم ، وذلك التأثير هو نتيجة طبيعية للتحول الإعلامي الكبير في المملكة والتمكين الذي صاحبة ومساحة الحرية الكبيرة التي خلقت في الإعلام السعودي وهو حرية مسؤلة والجميع من الاعلاميين الحقيقين يدركها ويعيها.

. لو عاد بك الزمن إلى 2003… هل ستسلك الطريق نفسه؟ ولماذا؟

الله اعلم ولكن الغالب اني سأسلكه مع تصحيح بعض الأخطاء وتجاوز بعض النقاط التي كان يجب أن أتجاوزها لكن بشكل عام أنا سعيد جداً بهذا المشوار وفخور جداً به.

. كلمة اخيرة لمن تحب ان توجهها ؟

الدعاء لوالدي ووالدتي واخي عبدالله ، والشكر الجزيل لزوجتي وبناتي وولدي ، ولكل زميل وزميلة عملت معهم في الوسط الإعلامي ولكل من ساند محمد المحيا في حياته العلمية والعملية والشخصية ولك أنت شخصياً على كل كلمة في مقدمة وختام هذا الحوار وعلى هذه الأسئلة الجميلة.

يظل محمد المحيا نموذجًا للإعلامي الذي لم يكتفِ بالمقدمة والمشهد، بل صنع أثرًا في كل موقع عمل فيه… من غرفة الأخبار، إلى الاستوديو، إلى قاعات التدريب. وما بين البدايات المتواضعة والطموحات التي ما زالت تتقد، يثبت أن الصوت الذي يحترم نفسه… يحترمه الميدان، وأن الإعلام الحقيقي لا يُصنع بـ”الظهور”، بل يُبنى بالصدق، والمسؤولية، واحترام عقل المشاهد.

ختامًا… يبقى المحيا حاضرًا كصوت، ودرس، وتجربة تُلهم كل إعلامي يريد أن يبدأ من الصفر ليصل إلى الشاشة بثبات لا يتكرر.