“لا تشمت” فالدور قد يأتيك



في حياةٍ تتقلّب كما تتقلّب الفصول، وتغيّر الوجوه فيها لا يحتاج أكثر من لحظة، ينسى بعض الناس أن البلاء ليس إعلانًا بالبعد عنهم، ولا أن العافية صكّ أمان يُحمل مدى العمر. ومن أخطر ما يصيب القلب أن يعتاد الشماتة، وأن يجد لذة في سقوط الآخرين، وكأن الأيام لا تدور، وكأن القدر لا يطرق الأبواب.

الشماتة ليست مجرّد كلمة تُقال، بل هي خُلُق يفضح هشاشة القلب وسوء التربية وقلّة المروءة. فالإنسان الحقّ، مهما اختلف مع غيره، لا يبني فرحته على وجع أحد، ولا يصنع ابتسامته من دمعة غيره. الحكيم يدرك أن المصائب لا تعرف العناوين، وأن البلاء لا يستأذن حين يطرق وأن من يسخر اليوم قد يبكي غدًا بنفس السبب الذي ضحك منه.

إنّ من يشمت بغيره ينسى الحقيقة التي يعرفها الجميع: الدنيا لا تؤمَن تقلّباتها.
والمواقف التي نُساق إليها تُعلّمنا أننا ضعفاء مهما حاولنا الظهور بعكس ذلك. قد يستيقظ المرء معافى، ثم يمسي مبتلى ، وقد يَظهر قويًا ثم ينكسر فجأة. وكل ما بين الأمرين قدر لا يملكه إلا الله.

المؤمن العاقل لا يشمت، بل يتعلّم أن البلاء رسالة، وأن المصيبة درس، وأن ستر الله علينا هو أعظم نعمة… وأن سقوط غيره ما كان يومًا إلا تحذيرًا له قبل أن يكون حكاية لغيره. لذلك، حين ترى عثرة إنسان، فالأجدر أن تقول: اللهم كما سترتَ غيري فاسترني، وكما عافيتَ غيري فعافني.
فالدعاء في لحظات الألم أكرم عند الله من كلمات الفرح بسقوط أحد ،والشماتة مهما تزيّنت  تعود على صاحبها بثلاث خسائر عظيمة:
خسارة الخُلُق ، لأن الشامت يجرّد نفسه من الرحمة.
خسارة المروءة، لأن الشامت ينكشف على حقيقته.
وخسارة البركة ، فالله يمتحن العبد ، ومن شمت قد يُبتلى ليعرف حجم ضعفه.

ولأن العلاقات بين الناس تُبنى على المواقف، فإن أجمل ما يرفع الإنسان عند الله وفي قلوب الناس هو وقوفه بجانب المبتلى، وستر عيب الساقط، وتخفيف مصاب المتألم. هذا الخُلق لا يصونه إلا النفوس الكبيرة ،  أما الصغيرة فلا تجيد إلا السخرية، ولا تملك إلا اللسان حين يعجز القلب.

وفي النهاية يبقى درس الحياة واضحًا ، أكثر من نجا هم الذين لم يشمتوا، وأكثر من سقطوا هم الذين شمتوا.
فاطلب من الله الستر لك ولغيرك، وتذكّر دائمًا أن العافية عطية، وأن البلاء امتحان، وأن الحلم الحقيقي ،  أن تحمد الله بصمت حين ترى مصيبة غيرك، وتدعُ له قبل أن تدعو لنفسك.

اللهم استرنا فوق الأرض، وتحت الأرض، ويوم العرض، واجعلنا من أهل الرحمة لا من أهل الشماتة ، وللجميع العافية ما حيينا.