أندلسٌ تعود إلى الذاكرة في تبوك والدكتورة حصّة المفرّح تقود رحلة السرد والوعي
في ليلة ثقافية حملت الكثير من العمق والتأمل، احتضن الشريك الادبي جمعية تمجيد الثقافية الأهلية أمسية فكرية بعنوان «أندلس ما بعد الإنسانية: سردية الذاكرة والمنفى في رواية الرحلة رقم 370»، قدّمتها أستاذة الأدب والنقد بجامعة الملك سعود أ.د حصّة بنت زيد المفرّح، وبحوار أدارته الإعلامية أ هديل الروقي، وسط حضور لافت من المهتمين بالأدب السردي والدراسات الحديثة وذلك في جادة 30 بمدينة تبوك .
افتتحت المفرّح اللقاء بقراءة تحليلية تناولت فيها مفهوم ما بعد الإنسانية وتحولاته عبر التاريخ الفكري، موضحةً كيف أعادت الفلسفة الغربية تشكيل سؤال الإنسان بين العلم والتقنية والفكر، وكيف أصبح الإنسان في قلب مراجعات نقدية تتجاوز مركزية الذات التقليدية إلى مستويات معرفية أكثر تعقيدًا.
وقدمت المفرّح رؤية شاملة توضح ارتباط هذه التحولات بإنتاج المعرفة، وبنشأة العلوم الإنسانية، وبكيفية تفسير الإنسان لأفعاله وتاريخه ووجوده.
وانتقلت بعد ذلك إلى التطبيق السردي عبر رواية «الرحلة رقم 370»، معتبرةً أنها مثال بارز لتمثيل ظواهر ما بعد الإنسانية، لما تجسده من تحوّل الإنسان من ذات واعية إلى كائن منفتح على عالم أكبر، ولقدرتها على استدعاء الأندلس بوصفها رمزًا للحنين، والفقد، والمنفى.
واستعرضت الأسباب التي تجعل الرواية نموذجًا فريدًا، منها استحضار الذاكرة التاريخية، وفكّكها لمفاهيم مركزية مثل فقدان الانتماء الزمني والمكاني، واعتمادها على لغة فلسفية مشبعة بالتأمل والرمزية، وبنية سردية مُمَكّكة تتجاوز الخط الزمني الواحد.
وتطرقت المفرّح إلى حضور الأندلس في النص من خلال العنوان، وعناصر الغلاف، وعتبة التنبيه، والبعد الواقعي، والأحداث المتخيلة، وفكرة الاستنساخ، ونظرية الأكوان المتوازية التي تمنح الرواية امتدادًا بين الماضي والمستقبل، وتعيد تشكيل العلاقة بين التاريخ والخيال السردي. كما تناولت استجابة الرواية فنيًا لعبور ما بعد الإنسانية عبر السرد المتحرّك، والزمن المراوغ، والحدث المتشظّي،
والشخصيات اللامركزية، وتعدد الأصوات، والمشهدية الرقمية، واللغة بوصفها حاملًا فلسفيًا ورمزيًا لا مجرد أداة حكي.
وحظيت الأمسية بتفاعل كبير من الحضور الذي وجد في طرح المفرّح عمقًا معرفيًا يستحق التأمل، حيث امتد النقاش ليفتح أبوابًا جديدة حول الذاكرة، والمنفى، والهوية، ودور السرد في إعادة قراءة التاريخ وإعادة تشكيل وعي الإنسان في ظل التحولات الحديثة.
صحيفة الراية الإلكترونية التي كانت متواجدة في هذه الفعالية، ترصد هذا الحراك الثقافي الذي يثري المشهد الأدبي في تبوك،
ويؤكد حضور المثقف السعودي وقدرته على قيادة النقاش المعرفي وإحياء الوعي النقدي، في أمسية أعادت الأندلس إلى الواجهة لا كذكرى عابرة، بل كفضاء فكري حيّ تتقاطع فيه الأسئلة ويُعاد فيه تشكيل الإنسان والعالم.







