جنون العالم المثالي
بقلم الكاتبة : عفاف الثقفي
بدون مقدمات..أنا أمرأة تجيد كلّ شيء..أستطيع أن أكون مسالمة لأبعد حد..وأستطيع أن أكون العدو الأكبر لمن يتعمّد إيذائي..
تناقضي مبرّر وليس كذب فأنا في أغلب أحوالي أتصرّف حسب المواقف التي أُوضع فيها..
رغم أني في أكثر المواقف كنت أتغابى لأستمتع بهوايتي وهي تأمّل الأشخاص وتحليل شخصياتهم..دون أن أُشعرهم بأني ولسببٍ ما قد وضعتهم تحت عين المجهر..
ليس طبعي..أن أصرّح بأني أفهم هذا الشخص..وبأني أدركت كيف يفكّر..فأنا عادةً أتعامل مع الجميع ببراءة وحسن نيّة..وأتقبّل اختلاف الجميع وإن كنت داخلياً لاأتوافق معهم..
لديّ قدرة عجيبة في أن أخفي مشاعري تجاه أكثر البشر..فأنا لاأُبدي نفوري من سوءهم..تفكيرهم..غرابتهم..
مالم تثبت لي المواقف أنّ هذا الشخص يستميت لإذلالي والإستخفاف بي..
هكذا عشت أيامي أستمتع بكل الأشخاص حولي..هم يعنون لي مزيداً من التجارب والتحليل والتعمّق في دراستي..وأخيراً سيكون حُكمي إضافةً لبحر استنتاجاتي ومهارتي..
شاهدت الكثير..شخصيات مازلت لم أتوصل لمسمّاها..وشخصيات لاأدري مانوع غرابتها..وشخصيات مجرّدة من كل معاني الإنسانية..
لايهم حديثي عن تلك الأنواع فهي أكثر من أن احصرها…
لكنّ الغريب أنّ هناك نقاط تمزج هذه الشخصيات..وقاسم مشترك يجمع بينها..
كان أعجب مايميّز الكثير منهم هو إدّعاء المثالية..
ليس غريب أن نحرص على الظهور بكامل زينتنا..وأن نتحدّث بلباقه..ونتصرّف أمام الملأ بكلّ لطف..وأن نخفي الجانب الضعيف فينا..فليس من المنطق أن نطلق العنان لعيوبنا كي تظهر..
لكنّ الغرابة تتمثّل في أنّنا نحيا في عالم لم يعد يميّز بين الحقيقة والكذب..صار من المألوف أن ننخدع بأحاديث النّاس التي لاتعكس الواقع..
ماأكثر أولئك الذين يلمّعون أنفسهم ليزداد زيف بريقهم..يتصنعون ماليس فيهم ليكال المديح والثناء لهم..
يختبئون تحت رداء المثاليّة لتعويض نقصهم وهشاشة شخصياتهم ويدّعون أنّهم بشرْ خالين من النقص والعيوب..
منذ متى وادّعاء المثالية تبني أرواح ذات مكانٍ عالٍ ومرموق؟؟؟
والشخصيات الهزيلة الكاذبة متى كانت قادرة على الإرتقاء بالفكر وبناء مجتمع؟؟؟
لنعالج قصور أنفسنا بالإعتراف داخلياً بنواقصنا..
ليس العيب في أنّنا لانملك كلّ مقوّمات الكمال فالنقص هو طبيعة البشر..
لنفتخر بما وهبنا الله من مقوّمات..فلا نسرق أفكار لانؤمن بها..ولاندّعي أننا نملك قوى خارقه لانملكها..
لانتشدّق بآراء وفلسفات لم نستوعبها..
لانطمس شخصياتنا لنظهر أمام العالم بذات أخرى لاتشبهنا فقط لنكسب إعجاب الآخرين..
علينا أن نستوعب حقيقة أنّ لاوجود للمثالية في عالمنا..
الكل يفتقد شيئاً ويملك أشياء..
لنتخلّص من تلك الطباع المزعجة فينا..
وبالإعتياد سنكتسب خصالٌ أجمل..
لنحب ذاتنا وأصدق الحب..
ألاّ نفقد شخصيتنا وهويّتنا الحقيقية….
مع كثر الإدّعاء والتمثيل..