الخوف من التغيير
بقلم : الأميرة الفيصل
يعد الخوف من التغيير من أكثر أنواع الخوف إنتشاراً علي سطح كوكبنا ، وكذلك يعد من أكبر معوقات النجاح والنمو والتطور في حياتنا .
ونحن نرغب دائماً في الحفاظ على ما لدينا والإكتفاء بما حققناه في عالمنا . ونخاف من التغيير ، لأننا نعتقد أننا نعرف عالمنا ، مع أن هذا العالم قد لا يكون هو أفضل العوالم ، ومع أننا قد لا نكون راضين تماماً به ، ولكنه علي الأقل آمن وليس به أخطار ولن يقدم لنا المفاجآت المزعجة .
ومتى أقتضت الحاجة سنكتفي فقط بإجراء تعديلات طفيفة عليه لكي يستمر ، ولكي يستمر كل شئ علي ما هو عليه . نرى أن الجبال لا تُغير مكانها وتلازم مكانها دوماً ، ونرى أن الشجر المكتمل النمو يتعرّض للخطر ويموت عند نقله من مكان إلى مكان آخر .
لذلك نفضل أن نكون مثل الشجر ومثل الجبال حتى نكون في آمان دائماً ، ونحن في قرارة أنفسنا نتمنى أن نطوف العالم مثل الريح أو أن نكون كالطيور التي تسافر من مصر إلى بيروت إلي بغداد وترجع متى تشاء . نفضل دوماً أن نحلم بأننا سيكون لنا متسع من الوقت في المستقبل لكي نتغير فيه ولكي نغيّر الآخرين ونغيّر أماكننا ونسافر يوماً ما .
وهذا الأمر يبهجنا لأننا نعرف أننا قادرون علي القيام بما يفوق ما نفعله . وهكذا هي الأحلام دوماً غير محمّلة بالأخطار .
بل يكمن الخطر في أن نحوّل الأحلام الى حقيقة ،واغلبنا لا يفضل المجازفه والتعرض للخطر .
لكن لا مفر من التغيير ، ولابد من التغيير أن يحدث ، وسيأتي اليوم الذي يطرق فيه الأبواب بعنف وسنكون مجبرين على استقباله ، وهذا هو التغيير الذي يحدث لنا باستمرار وليس التغيير الذي نحدثه نحن .
وشتان بين من يحدث لهم التغيير بدون تدخل منهم وبين من يُحدثون التغيير بأنفسهم . النوع الأول يكونون مثل الذي يترك نفسه لتيار البحار ليأخذه في أي إتجاه ، أما الثاني فهم الذين يقودون التغيير ويوجهونه من الجيد إلي الأفضل باستمرار إذ لابد من أن يكون التغيير المقصود الي الأفضل دائماً .
وأولئك الذين يظنون أن الجبال لا تتغير فهم مخطئون ، فالجبال تعريها الرياح والمطر ، وهي تتغير قليلاً كل يوم حتى لو كنا لا نلاحظ ذلك التغيير . وهي سعيدة بذلك وربما تقول : ” من الجيد ألا نبقى على حالنا طوال الوقت ” .
وأولئك الذين يظنون أن الأشجار لا تتغير هم مخطئون أيضاً ، فالأشجار تتغير في كل موسم تارة تتعرى من الأوراق وتارة أخرى تنكسي بها ، ويعد ذلك التغيير جزأ من عملية النمو للشجرة . وهي تنثر بذارها مع الريح بعيداً .
ان الطبيعة تقول لنا في كل مظهر من مظاهرها ( تغيروا ) ، لأن التغيير هو ناموسها الكوني وشريعتها . لكننا في الغالب لا ننصت لنداء الطبيعة ، وبدلاً من أن نتغير نتشبث باماكننا وبما نحن عليه ونكافح للحفاظ عليه .
تجد الناس لا يغيرون أماكنهم علي موائد الطعام ، كل له مكان ثابت لا يتغير وكأنه ولد لهذا المكان ، وتجدهم لا يغيرون الشوارع التي يمرون فيها ، ولا يغيرون المطاعم التي أعتادوا عليها ، ولا يغيرون من مظهرهم إلا قليلاً ولا يغيرون اليد التي يكتبون بها ولا يغيرون اليد التي يغسلون بها أسنانهم .
ويبدوا أننا نحن البشر كائنات روتينية خُلقت لتعيش في روتين ثابت لا يتغير ، وهذا ليس طبيعي ، بل مضاد للطبيعة.
لكن ثمة من لا يخافون من التغيير ، ويجازفون دائما في إتخاذ الخطوة الأولى في أي إتجاه يرغبون ، تارة بدافع الفضول ، وتارة أخرى بدافع الطموح ، ولكنهم في العموم يخطونها لشعورهم بشوق جامح إلى المغامرة .
يختارون الطريق الأقل سلوكا ولا يسيرون في موكب الآخرين ، ويسيرون فيه باحثين عن المغامرة والمفاجآت وعند كل منعطف ينتابهم الخوف أكثر فأكثر ، ومع ذلك ، وفي الوقت نفسه ، يُفاجئون أنفسهم ، ويفرحون . هم أقوى وأسعد .
وهكذا يتلاشى الخوف لأن الفرح يحرق الخوف.
الفرح إحدى البركات الأساسية التي أنعم الله بها علينا . وإذا كنا سعداء ، فهذا يعني أننا نسير على الدرب الصحيح .