لست بحاجة لأن تتحدث كي أسمعك
بقلم : ” الاميره الفيصل “
وما بين عبارة تقال كثيرًا . . تحدث لكي أراك وعبارة قد تُقال في هذا المقال . . . اصمت لكي أسمعك أفتتح بما يحشو تجويف قلبي ” يا إلهي ! ما أغباك يا جاز .
ما الذي فعلته هذه المرّة ؟ – وهل لك عين لتسأل ؟ فات الأوان بكل حال أصلا . – هه ، وكأني أهتم ! تلقي صفة الغباء من غبية ؟ امممممم كلاكما غبيّان في الواقع . تبا لك أنت الآخر ، لدي ما يكفيني
لو انني قبل عشر سنوات من الان قرأت المكتوب اعلى ، ما كنت لأرى أي خلل ، هو حوار بين ثلاث شخصيات ، على حدث ما قد يتم توضيحه لو تم إكمال المكتوب .
لكن الآن بتفكير إضافي وسرحان طفيف لن يستغرق عدت ثوان صفرية الحساب ، أقول أني وببساطة لم أفهم شيئا ، وأصيبت خلاياي بشلل نصفي ضرب نصفها الآخر السليم – الذي وحمد لله بقي ليكتب ما أكتبه الآن – مانعا إياي من تخيل أي شيءوسؤال واحد لكل قارئ يتم توجيهه ، لأنكم حتما ستفهمون ما أعنيه وتفهمون ما أعانيه ! | ” هل هناك ما هو أسوأ من قراءة شيء لا تستطيع تخيله ؟ ” هل هناك اسوأ من أن يقوم الكاتب بإعدام قدرتك على التخيّل والتركيب بدل إنمائها ؟إن غرض الكاتب – كما يُفترض – جعل القارئ يعيش داخل حروفه بالكامل ، أن يرى ما يراه ، بل ويندمج للدرجة التي يتهيأ له أنه إحدى الشخصيات بذاتها ، ناسيًا أنه قارئ خارجي لا علاقة له بما هو مخطوط سلفا . لكن ، كم مرّة قرأت – وسأخاطبك كقارئ أول الأمر ثم أنتقل لك ككاتب – رواية من أربعين فصلا وقد تصل للمئة حتى ، لا ترى فيها سوى الحوارات ، انتقال من جملة للأخرى كأنها مكالمة هاتفية بين اثنين لا يرى أحدهما الآخر ، بل وأسوأ ! كأنها محادثة نصيّة تخلو حتى من أبسط مقومات الفهم كالنبرة ومستوى الصوت .
هل تحاول أن ترسم في هواء مخيلتك شكل الشخصية وهي تتحدث ؟ ما ملامحها ؟ ما شعورها حين نطقت ما نطقته ؟ ما صفاتها من برود أو نقيضه ؟ هل هي شخصية سيئة الطباع ونزقة أم طبيعية لكنها فقط غاضبة ؟أنت – وببساطة – لن تملك أدنى فكرة عن ذلك . مجرّد . . . كل شيء مجرّد من أي مشاعر وأحاسيس ، مما يجعلني كقارئة أتساءل : لماذا أضيع وقتي بالقراءة ؟ لستُ أطالب سوى بما هو أبسط حق من حقوقي.
وانتقالا الآن لك عزيزي الكاتب ، هل تتمنى أن تسمع يومًا جملة ” تخيلت قصتك وكأنها فيلم حي أمامي ! ” النشوة التي تغرق فيها بعبارة كهذه ، لو جربتها مرّة فلن ترضي سوى أن تفعل كل مرّة في كل حرف تكتبه لنا،
تمتم بضجر ، مفكرا فيما عليه أن يقوله جوابا لسؤال مباغت ، تنهد ناطقا بضيق : لست غاضبا . وكأنه لم يكن الجواب الذي توقعه ، خيبة أطفأت إشراقة ملامحه ليجيب بصوت بالكاد يُسمع : هكذا إذن .
” هل هناك فرق بين الاثنين ؟ الأول أطول والثاني بالكاد نطقت كل شخصية بكلمتين ، لكن أيّها كان الأقرب للقلب ؟ أيُها ستحظى بشرف القراءة ؟ وأنّها ستحصل بسببها على النشوة التي نبحث جميعنا عنها ؟البعض يعرف رأس المشكلة ، لكنه يعالجها بطريقة خاطئة خالقا بذلك مشكلة أكثر مقاومة للحل .
وضع الأوجه والتعابير الرسمية ، وضع الضحكات وكتابتها بصريح شكلها ، ووضع رأي الكاتب بجوار الحوار كتعليق خارجي ، ناسيًا أنه راوي لا يفترض أن ينحاز لشخصية مما يكتب،إن أفضل طريقة لجعل قارئك يتخيل ، هي أن تتخيل أنت بنفسك جاعلا من ذاتك شخصية لا تُدرك سير الأحداث ، مندمجا كالجاهل بما يجري ، وليس ما يُقال صعب التطبيق ، اكتب المشاعر لتخلق تصورًا كاملا عن الشخصية قبل أن تتحدث ، اجعل قارئك يرى الشخصية متجسدة أمامه كأنها تحادثه هو .الحوار ليس سوى عنصر من عناصر الكتابة الكثيرة ، وعامل يساعد على الربط معززا قوّة السرد ومضي أحداثه ، لكنه أبدا لا يمكن أن يكون العنصر الرئيسي .
” حوارات باردة ” هي جملة تصف الكثير الكثير مما نقرؤه وتطول الأجزاء . . . تطول حقًا وتطول معها الحوارات التي لا أدرك من سببها وهدفها شيئا، أنت لا تكتب لتفرغ ما لديك من أفكار فقط عسى أن يقرأها أحد يلائم ذوقه البسيط ما مكتوب ، بل أن تكتب آخدًا من نفسك وقتا وجهدًا وقدرة ، وربما صانعا لذاتك أحلاما بحروفك ، ألا تستحق أنت قبل أي أحد آخر – أن تكون كلماتك ذات مستوى سمائي الارتفاع ؟ غيمي التنافس ، عاصفة تقذف بما هو دون المستوى المطلوب بعيدًا إلى منفى النسيان ، حافرًا اسمك بما هو مكتوب بقلمك لدرجة تُعرف من كتاباتك قبل أن يُرى من صاحبها ، أنت أم غيرك ،هي محاولة بسيطة أنقل من خلالها معاناتي فيما أقرأ من أفكار جيدة حقا وابتكارية ، لكنها منقوشة بأضعف طريقة . تخيّل . . . كل شيء سببه وهدفه وطريقته الخيال .
وعودة لأول سطور المقال ، مذكرةً إياك بما قيل ، لست بحاجة لأن تتحدث كي أسمعك .
لا تتفوه بالكثير بلا مشاعر ، بل انطق كلمة تعصف بداخلها أحاسيس العالم أجمع . لا أريد أن أسمع صوتك بقدر قلبك . لهذا أنا أقرأ ، ولهذا أنت تكتب .