الأحكام والشرائع القبلية وتأثيرها على السلم المجتمعي
بقلم | حسين علي الفهري
مدخل خاص:
يتضارب طالبين أحدهم من قبيلتنا وآخر من قبيلة أخرى فتنتهي خلال ساعات وقد يعقبها في نفس اليوم وليمة سريعة للطرفين. يتضارب اثنين من أبناء قبيلتنا فتعلن حالة الطوارئ بين قبيلتين، وتبدأ سلسلة من إجراءات الأحكام القبليّة إضافة إلى المسار الرسمي.
مدخل عام:
السلم المجتمعي يهدف لصنع مجتمع واع يتعايش مع من حوله في سلام ووئام ليُخلق في النهاية بيئة مناسبة نحو الانطلاق إلى مرحلة التطور والبناء والتي لن تتحقق بشكل كامل إلا في ظروف مجتمعية مناسبة.
استبشرنا خيراً بأمر الأمير تركي بن طلال أمير منطقة عسير بتشكيل لجنة إرساء السلم المجتمعي، ثم رعايته اللقاء التنفيذي الأول لمبادرة إرساء السلم المجتمعي الذي تنظمه إمارة المنطقة بالتعاون مع هيئة تطوير عسير، ثم زادت فرحتنا بتطرق سموه للجيرة القبليّة ومبالغ الديات.
ولعل أول فوائد هذا اللقاء هو تغير مفاهيم الكثير بين ليلة وضحاها، وتسليط الضوء الإعلامي على بعض المفاهيم القبليّة التي لم تعد تناسب وقتنا الراهن ولا تتفق مع السلم المجتمعي وهي بالأساس وقبل كل شيء لا تتوافق مع الشرع الحنيف، فسبحان مقلب القلوب وصدق من قال: الناس على دين ملوكها، وبهذا نتفاءل كثيراً بأن يكون أبناء المنطقة على نهج هذا الأمير الشاب الملهم، الجريء في الطرح واتخاذ القرار.
المتابع للشأن القبلي خاصة في شرق عسير يدرك أمور لا يمكن تجاوزها ولا يمكن تخيلها في أي منطقة أخرى، وكلها أو لنقل أغلبها مرتبط بالجيرة القبلية التي تركتها معظم قبائل العالم وتمسكت بها هذه المنطقة الجغرافية من عسير واخوانهم في جنوب غرب منطقة الرياض.
لدينا رؤية وطنية وتطلعات عليا وقفزة حضارية عظمى وأنظمة دولة تكفل حقوق المواطن، ومع ذلك تجد في ذلك الجزء الجغرافي بعض التجاوزات التي لا تمت لكل ما سبق بأي صلة.
هل يتخيل أحدكم مجموعة من السيارات مليئة بالمسلحين وقد انتشرت في أحد القرى وهم يدورون على بيوتها بيت بيت ويمنعون ” يقرعون” قبيلة عن قبيلة أخرى.
هل يصدق أحدكم إذا قيل له بأن مسجد القرية لهذا الأسبوع لم يصلِ فيه إلا المقيمين فقط، والسبب أن إحدى القبائل لم تلتزم بالجيرة وانتهكت “سهجت” وجه القبيلة المجيرة، فانقلبت الجيرة كما يقول العرف القبلي إلى ” إغضاب” وسواد وجه لا يُرْجِع بياضه إلا الدم الأحمر، فاضطر الناس للصلاة في بيوتهم خوفاً من رصاصة جبان أو خنجر جار أو لطمة ابن عم.
لم يردعهم قول الله ولا قول الرسول على الرغم من ترددهم يومياً لبيوت الله.
لم يقيموا وزناً لنظام ولا دولة على الرغم من أن معظمهم رجال أمن.
عن أي سلم مجتمعي يتحدثون وهو يغفر جرم الأقصى ويتعنت في خطأ الأدنى.
عن أي تعايش يقصدون وهم حتى الآن يقولون ضربة الخنجر لا تتعدى مدة جيرتها ستة أشهر.
عن أي وئام يبحثون وهو مقاطع لجاره سنة وشهرين وهي مدة الجيرة العظمى.
لا يمكن أن يتم السلم المجتمعي والقبيلة تتقمص دور الدولة، وشيخها يمثل دور الحاكم، وقاضيها يستشهد بوقائع بني هلال والضياغم ويقارنها بوضع القبيلة الحاضر.
لا يمكن أن يتحقق السلم والتعايش المجتمعي إلا بهيبة السلطان وقبول المواطن، وصمود أمير يشهد له التاريخ بوقفة مشرفة يعيد بموجبها الخارجون عن القانون، ويوقف ابواق المتخاذلين والمستفيدين ممن يرددون دائماً: “ستتناحر القبائل إذا منعت الجيرة”، وكأننا لسنا في دولة وشرع وعدل وانصاف.