كورونا مرض خطير ولكن علاجه ممكن



بقلم الاستاذ/ عبد الفتاح بن أحمد الريس

من مقتضيات حكمة الله البالغة أن جميع البشر منذ أن خلقهم سبحانه وتعالى وحتى قيام الساعة بما فيهم الأنبياء والرسل عليهم السلام مُعرضون للابتلاءات والامتحانات والتي أكثر ما تشتد وطأتها على المؤمنين بخاصة ليقيس بذلك وهو العالم بأحوال عباده قوة إيمانهم وصبرهم وتحملهم وثباتهم.كما في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم إن عظم الجزاء من عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فعليه السخط والعياذ بالله ولكون مرض كورونا والذي لا يعدو كونه فيروس لا يُرى بالعين المجردة.ومع هذا أقلق سائر مجتمعات الأرض فباتوا مذعورين وفي رعب شديد فضلاً عن تقييد حركتهم وإصابة مُعظم دول العالم بركود اقتصادي حاد يُمثل أحد الأمراض الفتاكة إذا لم تعالج في حينها كأنفلونزا الطيور والخنازير وغيرها من الأمراض المهلكة فأن هذا ما يُحتم على عموم البشر.في مثل هذه الحالة وغيرها من النوازل والأزمات اللجوء إلى الله تبارك وتعالى مقدر الأقدار ومُسبب الأسباب ومُفرج الكربات والشافي من كل داء وألاّ يتيحوا لأنفسهم في الوقت نفسه فرصة استحواذ المشاعر السلبية على ذواتهم في ظل هذا المتغير من هلع وخوف وقلق وتوتر والتي غالباً ما تساهم في زيادة حدة الأمراض وتفاقمها فيصعب حينئذ علاجها بكل سهولة كما بينته كثير من الدراسات في هذا الخصوص وأن يدركوا مع هذا كله بأنه ما من أمة أو قوم أو مجتمع على مر التاريخ إلا وقد ابتلوا بمثل ذلك بل وأكثر حين دمرتهم الزلازل والبراكين وغمرتهم مياه الأنهار والفيضانات وأرهقهم الفقر وأهلكتهم المجاعة والحروب الدامية والتي ربما تكون بحسب ما استنتجناه من القرآن الكريم نوعاً من العقوبة التي يُؤدب بها عباده وقتما يضلون السبيل ويحيدون عن طاعته ودينه القويم.كما حدث لأقوام بائدة حينما سلط الله عليهم الرياح العاتية والطوفان والغرق والصيحة والصواعق والجراد والقمل والضفادع . . الخ والتي تتطلب التفكر والتدبر لأجل أخذ العبرة والحيطة والحذر وترك المعاصي والرجوع إلى الله .علماً بأن هذه الابتلاءات ربما تكون بمثابة استيقاظ للنفوس البشرية من سباتها وغفلتها أو محنة ما تلبث أن تتحول إلى منحة محمودة العواقب مصداقاً لقوله تعالى( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ* أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) مؤكدين ضمن هذا السياق بأن الإصابة ببعض الأمراض ليس شرطاً أن يكون من ناتج فيروس أو عدوى قد انتقل من شخص مُصاب إلى آخر سليم وإنما قد يكون من ناتج نقص في المناعة أو التغذية الضرورية للجسم والتي بفقدها يُصاب الإنسان دونما مواربة بالضعف والهزال وتوغل بعض الأمراض الفتاك واستقرارها في أغواره إلى أجل مسمى كما أجمع عليه علماء الطب قديماً وحديثاً ومن بينهم ابن القيم الجوزية رحمه الله وهو فقيه وعالم مسلم والذي ذهب إلى القول بأن أول طرقٍ لعلاج الأمراض تتمثل في الحمية على اعتبارها رأس الدواء وتمكين البدن بما اعتاد عليه ومن ثم المعالجة بالغذاء فالاستطباب بالأدوية البسيطة فالأدوية المركبة فالتوكل على الله والثقة به والانكسار بين يديه والتضرع إليه بالدعاء والتوبة والاستغفار والقيام بأعمال البر والإحسان والصدقة والتي قال عنها صلى الله عليه وسلم بأنها تطفئ غضب الرب وتقي مصارع وميتة السوء معتبرا ابن القيم رحمه الله هذه التدابير من أنفع الطرق التي جربتها أمم كثيرة بمختلف دياناتها ومللها والتي ما فتأت أن وجدت فيها من التأثير وتحقيق الشفاء ما لا يصل إليه علمُ أعلمَ الأطباء. ناهيكم عن جوانب أخرى متممة وفي مقدمتها الاهتمام المستمر بالنظافة البدنية ونظافة جميع المأكولات والمشروبات وتناولها باعتدال بالإضافة للتعرض لأشعة الشمس كلما كان ممكناً والمشي على قدر الاستطاعة والبعد عن ممارسة المحرمات بشتى أنواعها وصورها وكذلك الأماكن الموبوءة ومكامن توالد البكتريا وناقلات الفيروسات كنوع من الوقاية التي نبهنا وحذرنا منها ديننا الإسلامي الحنيف بقول الله تعالى ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) وقوله صلى الله عليه وسلم إذا وقع الطاعون بأرض فلا تدخلوها وإذا كنتم فيها فلا تخرجوا منها، وحينما سأله الصحابي أبي خزامة رضي الله عنه يا رسول الله أرأيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به وتقاة نتقيها هل ترد من قدر الله شيئا ؟ فأجابه بقوله هي من قدر الله وفي حديث آخر ما أنزل الله داءً إلا وله دواء علمه من علمه وجهله من جهله .حمانا الله وإياكم وجميع اخواننا المسلمون من كل سوء ومكروه وجعلنا ممن قال عنهم سبحانه ( وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ) وقوله أيضاً ( فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ).