العزلة في زمن الكورونا



بقلم: نسيبة علاوي

اقترحت إحدىٰ الزميلات في نادٍ للقراءة-و قد كنتُ عضوةً فيه- أن نستغل العزل الصحي الذي فُرض علينا و أصبح واقعنا إلىٰ ما شاء الله ،في قراءة كتابٍ لمدة يوم واحد بدون استعمال لوسائل التكنولوجيا الحديثة و بانقطاع عن العالم بصحبة كتاب ما ..و في خضّم هذا الخوف من العزلة أتساءل : لماذا يخشىٰ الإنسان منها؟ هل هي مخاوف كانت في جيناته منذ بدء الخلق؟! حين كان آدم يتجول في جنانٍ فشلت في تعزيته عن وحدته؟! و لم يعد يراها غير سجنٍ كبير ابتلع أنسه و ضاعف من وحشته؟! كيف فهِمَ نقصه و هو الخلق الآدمي الأول؟! و من أخبر استكنانه بالفقدْ؟! و ألهم قلبه بالرفقة؟!
يظلُّ الإنسان يُثابر لِيحيط نفسه بالألفة ..و الأنس..حتىٰ ظنَّ أنَّ الجنة لا تُداس بدون ناس!! و سعىٰ منذ البدء لتكوين مجتمعات و صداقات و تحالفات..حتىٰ و إن بلغتْ حدَّا ثُنائيًا خالصًا..المهم ألا يظل وحيدًا مع مخاوفه ..و تهيؤاته.. و وساوسه ..ألا يسمع صوت نفسه الآتي من أعماق الروح و العقل..ضميرًا يهتف بذنوبه و مساوئه..أو وسواسًا ينادي به إلىٰ اللذات و الرغبات..صوتًا يودُّ لو أنه خَرِس .. و ماأورده مسالك التفكر و الغوص في عمق الشعور و اللاشعور ..في رحلة للبحث عن الذات و سبر أغوار الذكرىٰ و نكأْ جروح الطفولة الأولىٰ ..المراهقة الأولىٰ..الوعي الأول!!
إنها دعوة إذًا لمصالحة الذاتْ..و ربَّ ضارةٍ نافعة..ففي زمن الكورونا أتتْ الوحدة مقدَّمةً على طبق من ذهب..لتكون فرصةً لإكتشاف النفس..و الركون إلىٰ التفكر..و تعرية الوجدان عن أوهامٍ ابتدعها الضجيج.. و انساق إليها العقل بلا تفكير..هي فرصة لفرز ما نحتاجه و من نحتاجه ..و ما لا نحتاجه و من لانحتاجه.. إذ إنَّ فرص العزلة نادرة في زمن السرعة و الجنون هذا ، فليمتد معنى العزلة إذًا إلى عزل كل ما يؤذي الروح قبل الجسد..لنعتزل كل ما من شأنه أن يؤذينا..فهنا يكمن بيت القصيدْ.