العدو غير المرئي
بقلم الأستاذ : خالد الدعجاني
في هذا الوقت العصيب الذي يواجه العالمُ فيه هذا الوباء وهذا العدو غير المرئى ( فيروس كورونا) يجب علينا أن نتذكر أن الإيمان بقضاء الله وقدره يعصم الإنسان ويغرس القناعة في نفسه بإذن الله تعالى، فكل ما كان وما هو كائن وما سيكون هو في علم الله وبقدر الله، والله تعالى هو أحكم الحاكمين، وأنه -تعالى في علوه- لا يقدر شيئا إلا لحكمة بالغة، فمن كمال الإيمان بالقدر الاعتقاد المطلق بالعدل الإلهي قضاء وتصريفا، والإيمان بأن كلا من الخير والشر من عند الله سبحانه وتعالى ، والقدر كما قيل “سر من أسرار الله وحجاب من حجبه كمثل بحر عميق في قعره شمس مضيئة لا يطلعها المدبر الحكيم فإذا كشف عن القدر يوم القيامة علم الخلق أن الله ليس بظلام للعبيد”
والله تعالى يقول في محكم التنزيل( ما أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا) ويقول سبحانه وتعالى ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ).
وإلى جانب ذلك يجب أن نعلم أننا مأمورون بالأخذ بالأسباب دون مبالغة، مع التوكل على الله والإيمان بأن بيده ملكوت كل شيء، وبأن الأسباب لا تعطي النتائج إلا بإذنه تعالى، فالالتفات إلى الأسباب واعتبارها مؤثرة في المسببات شرك، والإعراض عن الأسباب المأمور بها قدح في الشرع، ومحو الأسباب أن تكون أسباباً نقص في العقل.
وشرعنا يأمرنا في تعاملنا مع مثل هذه الظروف الصحية وفِي مواجهة مثل هذا الوباء الخطير بعد التوكل على الله أن نأخذ بالأسباب، ويوجب علينا التسبب في العلاج والحماية والوقاية قبل المرض.
ولأن الصحة هي رأس مال الإنسان وأساس سعادته الحقيقية فقد أمر الإسلام بحفظ الصحة وحارب المرض وأرشد إلى الوقاية وحذر من العدوى وحث على التداوي وأمر بعزل المرضى عن الأصحاء، ففي الحديث (إذا سمعتم الطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها) وهذه إشارة إلى وقت حضانة المرض المعروف في لسان الأطباء، وقال صلى الله عليه وسلم: (فر من المجذوم فرارك من الأسد)، وكل ذلك من باب الوقاية والتحفظ من الأمراض والأوبئة.
ولا شك أن هذه الأمراض والمصائب هي تذكير من الله تعالى لكل غافل ولاهٍ، وتنبيه لكل جبار ومتكبر، وتحذير للمجتمعات التي ابتعدت عن ربها وغرقت في المنكرات والذنوب.
ووالله ما رأى الناس معولاً يهدم بناء المجتمع ويهد كيان الأمم ويعرضها لعقاب الله وسخطه، ولخطر التحلل ثم خطر الفناء مثل شيوع المنكرات!، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:(ما مِن قوم عملوا بالمعاصي وفيهم مَن يقدر على أن يُنكر عليهم فلم يفعل إلا يوشك أن يَعمَّهم الله بعذاب من عنده) -حمانا الله تعالى من كل وباء، وأبعد الله عنا عوامل الشر والفناء- لكن علينا أن نعلم أن فضل الله ورحمته بعباده المؤمنين لأوسع وأجل من أن يتركهم -سبحانه وتعالى- عرضة للأمراض والأدواء والأوبئة، ففضله ورحمته منحة يجعلها للذين يرجعون إليه ويتعلقون بعزته وجلاله، وللذين تابوا واستغفروا وزكوا أنفسهم، وللذين عرفوا واجب الإيمان في حق أنفسهم وحق مجتمعاتهم، فإن أهل الإيمان تزيدهم المصائب دائما لجوءا لله ورغبة فيما عنده وتوكلاً واعتماداً عليه سبحانه وتعالى.
وبهذا تصل الأمة بالمحنة إلى المنحة وبالضراء إلى السراء وبالابتلاء إلى النعماء، وتلك سنة الله ولن تجد لسنته تبديلا.