أبشروا وأملوا ما يسركم..



بقلم : عواض عوض الله الثبيتي

من المؤكد أن التفاؤل يلعب دورا بعيد المدى في حياتنا النفسية وفي تصرفاتنا وفي علاقاتنا بغيرنا ومانقوم به من خطط للاضطلاع بها في المستقبل القريب أو البعيد . ولاشك أن ما يدور بخلدنا من أفكار وما يشع بقلوبنا من مشاعر يؤثر إلى ابعد حد في ادراكنا للواقع الخارجي.
ومما لا ريب فيه أن الفكر يؤثر في البدن والبدن يوثر في الفكر فلا يكاد الإنسان يخجل من شيء حتى تحمر وجنتاه ولا يبتأس لحادث أو عارض حتى يمرض أو يظهر عليه الضعف والشحوب
إن الاعتقاد ( الإيمان) يبعث الثقة في نفس الإنسان ويوحي إليه بالنجاح و الطمأنينة والشفاء والفرج بعد الشدة .
فالنفس بواسطة العقيدة القوية تؤثر في مادة بدنها تاثيرا كبيرا.
يقول الأطباء وخاصة اطباء الصحة النفسية ان الذي يخاف من مرض معين يصيبه لان خوفه الدائم يجعل فكرة المرض قويه في نفسه وبذلك تلقى جراثيم و فايروسات ذلك المرض في بدنه تربه خصبه للنمو والتكاثر. والأطباء وجهودهم مجرد أسباب.
قال احد الأطباء المشهورين ( إن مهمة الطبيب أن يساعد المريض على أن يشفي نفسه فالطبيب لا يشفي أحدا إن مصدر الشفاء ( بعد الله) هو النفس وليس للطبيب من عمل إلى أن يساعد النفس على تأثيرها.
وقد ثبت أن للإيحاء قدرة عجيبة جدا على شفاء الأمراض جميعا البدنية والنفسية وقد ثبت أيضا أن الإمراض جميعها نفسية و بدنية معا فالدواء المادي لا يجدي نفعا إذا لم يصاحبه إيمان من المريض بأن ذلك الدواء يشفيه بعد مشيئة الله
إن العقل الباطن هو عقل الإيمان والعقيدة الراسخة بينما العقل الواعي هو عقل التفكير والشك والتفلسف .
يقول الدكتور( كارل سيمنتون)
المدير الطبي لمركزسيمنتون للأورام بولاية كاليفورنيا
( ما يجري بعقل المريض يحدد دائما ما إن كان سيشفى أم لا)
و هذا الاستنتاج اخبرنا عنه الذي لا ينطق عن الهوى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
فعن ابن عباس رضي الله عنه قال( أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ دَخَلَ علَى رَجُلٍ يَعُودُهُ، فَقَالَ: لا بَأْسَ طَهُورٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَالَ: كَلَّا، بَلْ حُمَّى تَفُورُ، علَى شيخٍ كَبِيرٍ، كَيْما تُزِيرَهُ القُبُورَ، قَالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: فَنَعَمْ إذًا.)

فما أحوجنا في هذا الظرف العصيب إلى خلق التفاؤل
والثقة في فرج الله القريب
لأن ديننا الإسلامي يحثنا على التفاؤل وينهى عن التشاؤم ويربي الأنفس على انتظار الفرج بعد الشدة كما في الآيات التالية
قال تعالى: (لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ الله) [الزمر: 53]، وقال سبحانه: ( قال وَمَنْ يَّقْنَطُ مِن رحْمَة رَبِّه إلا الضَّالُّون) [الحجر: 56].
وقال: (ولا تيْأَسوا مِن رَوْحِ الله إنّه لا ييْأَسُ مِن رَوْح الله إلا القومُ الكافرون) [يوسف: 87].
وقال عز وجل: ” أليسَ اللّهُ بكافٍ عبدَهُ، ويخوّفونك بالذين من دُوْنِهِ ”
وقال الله تعالى: ” سيجعلُ اللّهُ بعد عسرٍ يسراً ” .
وقال: ” ومن يتّقِ اللّهَ، يجعل له مخرجاً، ويرزُقْهُ من حيث لا يحتسب، ومن يتوكّل على اللّه فهو حسبُهُ
“وقال تعالى، في موضع آخر: ” قل من ينجّيكم من ظلمات البرّ والبحر، تدعونه تضرّعاً وخفية، لئن أنجيتنا من هذه، لنكوننّ من الشاكرين، قل اللّه ينجّيكم منها، ومن كلّ كرب، ثم أنتم تشركون.
وقال عز وجل: ” أَمَّنْ يجيبُ المضطَّر إذا دعاهُ ويكشف السوء، ويجعلكم خلفاء الأرض، أإلهٌ مع اللّه، قليلاً ما تذكّرون ”
وروي عن الحسن البصري، أنه قال: عجباً لمكروب غفل عن خمس، وقد عرف ما جعل اللّه لمن قالهن، قوله تعالى: ” ولنبلونَّكُم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، وبشّر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنَّا للّه وإنَّا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة، وأولئك هم المهتدون ” .
وقوله تعالى: ” الذين قال لهم الناس إنّ الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، فزادهم إيماناً، وقالوا حسبنا اللّه ونعم الوكيل، فانقلبوا بنعمة من اللّه وفضل، لم يمسسهم سوء ” .
وقوله: ” وأفّوض أمري إلى اللّه، إنّ اللّه بصير بالعباد، فوقاهم اللّه سيّئات ما مكروا ” .
وقوله: ” وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه، فنادى في الظلمات أن لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من الظالمين، فاستجبنا له ونجّيناه من الغمّ وكذلك ننجي المؤمنين ”
وقوله: ” وما كان قولهم إلاّ أن قالوا ربّنا اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبّت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين، فأثابهم اللّه ثواب الدنيا، وحسن ثواب الآخرة، واللّه يحب المحسنين ” .
وروي عن الحسن أيضاً، أنه قال: من لزم قراءة هذه الآيات في الشدائد، كشفها الله عنه، لأن الله قد وعد، وحكم فيهن، بما جعله لمن قالهن، وحكمه لا يبطل، ووعده لا يخلف
ونبينا محمد عليه الصلاة والسلام كان يعجبه الفأل لأن الطيرة والتشاؤم سوء ظن بالله تعالى، وكان صلى الله عليه وسلم يحب التفاؤل في أموره وأحواله، في حله وترحاله، في حربه وسلمه.
ففي صحيح مسلم عن أبي موسى، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا بعث أحدا من أصحابه في بعض أمره، قال:(بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا)
وقال على بن أبي طالب كرم الله وجهه.
وكم لله من لطفٍ خفيٍّيَ
دِقّ خَفَاهُ عَنْ فَهْمِ الذَّكِيِّ
وَكَمْ يُسْرٍ أَتَى مِنْ بَعْدِ عُسْرٍ
فَفَرَّجَ كُرْبَة َ القَلْبِ الشَّجِيِّ
وكم أمرٍ تساءُ به صباحاً
وَتَأْتِيْكَ المَسَرَّة ُ بالعَشِيِّ
إذا ضاقت بك الأحوال يوماً
فَثِقْ بالواحِدِ الفَرْدِ العَلِيِّ
وَلاَ تَجْزَعْ إذا ما نابَ خَطْبٌ
فكم للهِ من لُطفٍ خفي
وقال ابو تمام
وَما مِن شِدَّةٍ إِلّا سَيَأتي
لَها مِن بَعدِ شِدَّتِها رَخاءُ