وبضدها تتبين الأشياء



بقلم الأستاذة / فضه العنزي

“يقولون وبضدها تتبين الأشياء” أؤمن تمامًا بهذه المقوله وأشكك بما سواها فالمتضادات حولنا تصنع فارقاً واضح وبدونها لن نتذوق لذة الحياة ولا نشعر بالأنس ، فسبحان المبدع لو لم يكسو الظلام الكون ليلاً ، ولو لم يتوشح السواد الأفق لما شعرنا بجمال الإشراق، ولما أستشعرنا روعة الضياء .

ولو أستمرت شمس النهار مشرقة لما أبدع الشّعار والكتاب بوصف الليل وضوء القمر حين اكتماله ، ولو لم يشتد بك الجوع في وقت الصيام لما شعرت بلذة الأكل ، وإذا لم تتيبس شفتا البّناء الذي يشيد برجاً عالياً تحت أشعة شمس عامودية قاربت ال(٥٠) في ظهيرة الصيف لما عرف قدر الإرتواء من ماء بارد تتحرك كرات الثلج بين جنباته كأنهن لألأء تخالها عيناه كنزا أخُرج من أعماق البحر .

ولو لم يقف ذاك العامي الذي بالكاد يفك شفرة كتابة باللغه العربية ، لو لم يقف أمام المختبر بعد إجراء تحليل عاجل أوصى به طبيبه لشكه بإصابته بمرض خطير لو لم يقف حائرا يُقّلب ورقة نتيجة التحليل يمنة ويسره يبحث عن من يفك شفرتها له قلق ع ماقد سُطر بها بعد أن تأخر لكثرة الزحام ووجد طبيبه الذي أوصاه بإجراء التحليل قد أغلق بابه لإنتهاء دوامه فوقف متسمراً ينشد الماره من يحسن قراءة ما بتلك الورقة وقد قلب عاليها سافلها لكونه لا يعرف أسفلها من أعلاها لما علمنا قيمة أن نعرف اللغة الإنجليزية .

ولن تعرف قيمة الرشاقه سوى إمرأة دُعيت لمناسبة فخمة بحضور جمع غفير وذهبت لتشتري لباسًا بدى جميلاً فالمحل ولما ارتدته علق في الحدود بين الكتفين والذراعين .

ولن تعرف قيمة اللون الأسود حتى ترى بياض غزى عارضيك ومقدمة شعرك حينها وددت لو تخضبت كلك بالسواد .

ولن تعرف قدر والديك وانشغالك عنهما مع الصديق ومع الجهاز ومع الفلم ، حتى يخطف الزهايمر ذاكرتهما فلا تحسن أن تفهم عليهما قصة واحده أو جملة واحده وهما من كانا يناشدانك الله أن تنهل من معين خبرتهما ويلطفان الأجواء بعمل القهوة وجلب المحليات والمكسرات وأصناف الإغراءات حتى يرسلا لك نصيحة مبطنه بأثواب القصة حتى يوجهانك بشكل غير مباشر لأمر يريدانك أن تفعله أو نهي يرغبان أن لا تقربه ، ولكن لعدم جرح شعورك يمثلان عليك دور حكاوتي باب الحاره .

ولو لم يأذن الآن في وقت محدد أن يصدر الأمر الكريم يوم الأحد ١٣رجب بإيقاف المدارس فحيل بينا وبين طلابنا ومكاتبنا وسجلاتنا وما خططنا له ، ولو لم يصدر الأمر الكريم بإغلاق المولات والمفروشات ومحال الخياطة والأواني المنزليه .

لو لم يصدر الأمر الكريم بحضر التجول الجزئي والبقاء في المنازل لو لم يحدث ذاك كله هل حقا عرفنا قيمة تلك النعم .

لو لم تأتي كورونا هل حقا عرفنا قدر الصحة واحسسنا بمعاناة المرضى والمشردين والفقراء والذين لم تطئ أقدامهم دور العلم.

ماذا لو لم نكن سعوديين هل وعينا حقًا ماحق السعودية علينا ومالذي عملته وتعمله من أجلنا وقبل ذاك هل وعينا قدر النعم العظام التي تكتنفنا هل حاسبنا أنفسنا على نعمة الطعام والإسراف فيه هل عرفنا جمال صوت المؤذن وهو يدعونا لبيت الله ” حي على الصلاة ” .

هل عرفنا نعمة الحرمين حين تعذر علينا الوصول إليهما ولمنا أنفسنا كم مرة أُتيحت لنا فرصة العمرة وفضلنا السفر للخارج ، كم مره توافرات قيمة تأدية فريضة الحج ففضلنا شراء هاتف نقال عن الذهاب للحج .

وهل استشعرنا قيمة الحرية والذهاب في أي وقت شئنا للتبضع والتنزه والترويح ، هل احسسنا بجمال منظر أبنائنا وهم يركبون باص المدرسة وينهلون العلم .

وبضدها تتبين الأشياء كورونا لم يكن وباء فحسب أنه فتح نواظرنا إلى نعم تعامينا عنها ولفت نظرنا إلى ضرورة شكرها والأنس بها ولفت نظرنا إلى ضرورة تجديد التوبة بكل وقت فلا نعلم متى تسحب منّا صلاحية استخدام كرتها .

كورونا أعلمنا عن قيمتنا لدى دولتنا وكم بذلت من أجلنا وكم باعت من أمور عظام فقط لتحفظ صحتنا كورونا أعلمتنا رغم علمنا المسبق الأكيد كم نحن رزقنا بحكام همهم الأوحد صالح الفرد السعودي وبدون مقابل علمنا كم الإنسانية التي يحملها “آل السعود “على مواطنيهم بل وعلى المقيمين على أرضها حتى المخالفين منهم .

أختم بهذا السؤال للسعوديين خاصة ، عزيزي السعودي لو لم تكن سعودي ماعساك أنت صانع ؟ ولكن أهمس في إذنك قبل أن تفعل شيء ” أن الإنتحار في شرعتنا حرام ” .