حفيد الطنطاوي … لهذا السبب أحبه الناس
ترك البرنامج التلفزيوني “على مائدة الإفطار” علامة في ذاكرة السعوديين على مدار 30 عاماً، بث فيها خلال أيام شهر رمضان المبارك، والذي كان يقدمه الشيخ الراحل علي الطنطاوي .
تميز هذا البرنامج بأسلوبه الجاذب، وحكمته العميقة في الطرح، فتارة كان يتحدث كالفقيه والأديب، ومرات يسرد قصصه المليئة بالعبر، فالراوي “سوري” من كبار أعلام الدعوة الإسلامية والأدب العربي في القرن العشرين.
ووفقاً “للعربية” روى حفيد الشيخ الطنطاوي ، حكايات جده التي عاشها معه منذ أواخر الثمانينيات حتى وفاته في 18 يونيو 1999، ففي تلك الحقبة تعلم “عمر حتاحت” الذي كان يزور جده في الأسبوع مرتين حكايات كثيرة منه.
وقال عمر في حديثه : أهم صفات جدي الشيخ علي الطنطاوي – رحمه الله – تقبله للنقد والملاحظات ، سواء عليه شخصياً أو على برنامجه ، حيث كان يتعامل مع النقد بروح طيبة .
وأردف الحديث : عشق الناس الشيخ الطنطاوي نظراً لما يملكه من بشاشة في محياه، ولأسلوبه البسيط في نقل معلوماته، فقد كان موسوعة ثقافية، ويستطع أن يقدم نقده الاجتماعي بأسلوب جميل يستحسنه الناس، ويملك فكراً وسطياً معتدلاً، وكثير الاستطراد في حديثه الجميل والمفيد، ودائماً ما يوصينا بكثرة القراءة والاطلاع على الدوام وفي كافة العلوم .
هل سيعود “على مائدة الإفطار” ؟
حول إعادة بث برنامج الشيخ الطنطاوي “على مائدة الإفطار” قال عمر : الأمر متوقف على وزارة الإعلام في قسم الإذاعة والتلفزيون، فالحقوق حصرية لعائلته ، في حين أحيت العائلة ذكراه بمطالعة كتبه ونشر أفكاره الوسطية .
وأضاف : كل الأماني بإحياء برنامجه وإذاعته من جديد، لتتعرف الأجيال القادمة عليه، وعرضه في قنوات الدول العربية والإسلامية، ليُعرف في أرجاء العالم، كما أتمنى نشر كتبه على نطاق أوسع، مع ترجمة المناسب منها باللغات الحية .
وأبان حتاحت في معرض حديثه : أهم أفكار الشيخ علي الطنطاوي – رحمه الله في نظري – الوسطية والاعتدال في الفقه والفكر، فلا تشدد ولا تفريط، وأهمية الثقافة الموسوعية والتركيز على اللغة العربية، والقرب من العامة في الأسلوب والطرح، فلم يكن الشيخ علي أسير مدرسة فكرية معينة، فلا يتعصب للأفكار، بل يأخذ من الجميع ما يراه مناسباً وصواباً .
وأبان أن إصداراته المطبوعة من الكتب، لا يزال الإقبال عليها بشكل واسع، نظير ما يتميز به من أسلوب انفرادي سهل ممتنع، إضافة إلى نشرته ذكرياته في جريدة الشرق الأوسط، وقال: “نفكر طباعة ذكرياته في كتاب، ومن هنا ولدت دار المنارة المختصة بنشر تراث الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله، فعدد مؤلفاته قاربت الخمسين يطبع من معظمها بين 1500 و2000 نسخة سنوياً”.
(حياته ونشأته)
ولد الشيخ علي الطنطاوي بالعاصمة السورية دمشق، في 23 جمادى الأولى 1327 هـ، لأسرة عُرف أبناؤها بالعلم، فقد كان أبوه، الشيخ مصطفى الطنطاوي، من العلماء المعدودين في الشام، وانتهت إليه أمانة الفتوى في دمشق، وأسرة أمه أيضاً “الخطيب” من الأسر العلمية في الشام، ومن العلماء المعدودين، ولهم تراجم في كتب الرجال، وخاله، أخو أمه، هو محب الدين الخطيب، الذي استوطن مصر، وأنشأ فيها صحيفتَي “الفتح” و”الزهراء” وكان له أثر في الدعوة فيها في مطلع القرن العشرين.
يذكر أن دخول الشيخ علي الطنطاوي إلى السعودية كان في عام 1963م، جاء إلى الرياض مدرّساً في “الكليات والمعاهد” وهو الاسم الذي يُطلَق على كلّيتَي الشريعة واللغة العربية، وقد صارت من بعد جامعة الإمام محمد بن سعود، وفي نهاية السنة عاد إلى دمشق لإجراء عملية جراحية بسبب حصاة في الكلية عازماً على ألا يعود إلى المملكة في السنة التالية، إلا أن عرضاً بالانتقال إلى مكة للتدريس فيها حمله على التراجع عن ذلك القرار.
بدأ الشيخ الطنطاوي هذه المرحلة الجديدة من حياته بالتدريس في كلية التربية بمكة، ثم لم يلبث أن كُلف بتنفيذ برنامج للتوعية الإسلامية، فترك الكلية وراح يطوف على الجامعات والمعاهد والمدارس في أنحاء المملكة، لإلقاء الدروس والمحاضرات، وتفرَّغَ للفتوى ويجيب عن أسئلة وفتاوى الناس في الحرم – في مجلس له هناك – أو في بيته ساعات كل يوم، حتى بدأ برنامجيه: “مسائل ومشكلات” في الإذاعة و”نور وهداية” في الرائي (والرائي هو الاسم الذي اقترحه علي الطنطاوي للتلفزيون) الذين قُدر لهما أن يكونا أطول البرامج عمراً في تاريخ إذاعة المملكة ورائيها، بالإضافة إلى برنامجه الأشهر “على مائدة الإفطار”.
هذه السنوات الخمس والثلاثون كانت حافلة بالعطاء الفكري للشيخ، ولاسيما في برامجه الإذاعية والتلفازية التي استقطبت – على مرّ السنين – ملايين المستمعين والمشاهدين، وتعلّقَ بها الناس على اختلاف ميولهم وأعمارهم وأجناسهم وجنسياتهم. ولم يكن ذلك بالأمر الغريب، فلقد كان الشيخ الطنطاوي من أقدم مذيعي العالم العربي، بل لعله من أقدم مذيعي العالم كله، فقد بدأ يذيع من إذاعة الشرق الأدنى من يافا من أوائل الثلاثينيات، وأذاع من إذاعة بغداد سنة 1937م، ومن إذاعة دمشق من سنة 1942م لأكثر من عقدين متصلين، وأخيراً من إذاعة المملكة ورائيها نحو ربع قرن متصل من الزمان.
آثر الشيخ علي الطنطاوي ترك الإذاعة والتلفاز حينما بلغ الثمانين من العمر، وكان قبل ذلك قد لبث نحو خمس سنين ينشر ذكرياته في الصحف، حلقةً كل يوم خميس، فلما صار كذلك وقف نشرها (وكانت قد قاربت 250 حلقة).
ثم أغلق عليه باب بيته واعتزل الناس إلا قليلاً من المقربين، يأتونه في معظم الليالي زائرين، فصار ذلك له مجلسا يطل من خلاله على الدنيا، وصار منتدى أدبيا وعلميا تُبحث فيه مسائل العلم والفقه واللغة والأدب والتاريخ.
ثم ضعف قلبه في آخر عمره، فأُدخل المستشفى مرات، وكانت الأزمات متباعدة في أول الأمر ثم تقاربت، حتى إذا جاءت السنة الأخيرة تكاثرت حتى بات كثير التنقل بين البيت والمستشفى، ثم توفي بعد يوم 18 حزيران عام 1999م الموافق 4 ربيع الأول 1420 هـ، في قسم العناية المركزة في مستشفى الملك فهد بجدة عن عمر 90 عاما، ودفن في مقبرة مكة المكرمة في اليوم التالي بعدما صُلّي عليه في الحرم المكي الشريف.
(صورة أرشيفية للشيخ الطنطاوي)