عزلتي ..



يستوحش الكثير من الجلوس بمعزل عن الجميع يظنون بأن مُنيتهم قد دنت ويشعرون بأن الجميع أكثر منهم سعادة وأُنسة وتراهم يقومون ويقعدون ولا يطيلون المكوث في نفس المكان.

يُتعبهم التفكير وكأنهم لم يُفكروا قط وكأن العقل لم يتحرك وسيظل ساكناً ساكتاً لمدة عقود.

لا يستطيع العديد من الأشخاص أن يتحكموا بطريقة التفكير أو التفكير في طريقة التفكير (Metacognition) ولا يستطيعون أيضًا فعل أي شيء قد يغير مسار التفكير لديهم، وتراهم يتنقلون من غرفة إلى غرفة بحثاً عما قد يساعدهم في تغيير نمط التفكير الذي أرهقهم و أتعبهم.

في قراءاتي المتواضعة عن العقل وقواعده، فإن أصعب المعارك التي يواجهها الناس في عزلتهم هي معركة العقل والتفكير .

ويعود سبب ذلك لبعض الأنماط الخاطئة التي اعتاد عليها بعض الأشخاص في حياته اليومية .

فمهما طالت الساعات والأيام والسنين، لابد أن تأتي بك الحياة لتجلس وحيداً بمنأى عن المجتمع سواءً الصغير أو الكبير، القريب إلى قلبك أو البعيد، وهذه سُنّة الحياة يا عزيزي.

العزلة هي غذاء للروح والعقل والجسد من خلالها تعرف صغائر الأمور من كبائرها فهي داء لكل وباء وحياة لمن يفضّل فن العزلة.

عزيزي القارئ أباطرة الحياة (دعني أسمّيهم) ومن لهم صولات وجولات في هذه الحياة كان لهم الدور الكبير في تغيير نمط الحياة التي نعيشها الآن مهما كنت راغب بها او لم ترغب فأنت أُجُبرت بطريقتهم أن تستسلم لهم وتسلمهم حياتك.

وما يميّز هؤلاء الناجحين هو إتقانهم (فن العزلة) لأنه يعرف متى يعزل نفسه ليفكر ويخطط ويستثمر نفسه وهذا أجدى الاستثمارات على الإطلاق فمن خلال عزلته، يستطيع أن يفكر ويغيّر من نقاط ضعف لنقاط قوة ليتقن بعض المهارات ويحقق العديد من النجاحات.

فالنجاح يا عزيزي القارئ جداً جميل يجعلك بلا قدرة على ترجمة مشاعرك والإنجازات الشخصية سواءً صغيرة أو كبيرة لا تستطيع أن تصفها فهي تفوق الشعور وتفوق الأحاسيس وتفوق الفرحة أيضا وتحمل نكهة خاصة .

لذلك دائما اردد شكراً أيتها العُزلة الجميلة التي غرفتُ من إيجابياتك الكثير .

فمن خلالها، عرفت كيف أكون وحيداً وأٌبدع وأكون جافاً وأٌزهر.

شكراً فأنتي أحد أسباب تفوقي ونجاحي بعد الله عز وجل ففي كل لحظة اتذكر عندما نادى رئيس الجامعة بإسمي أمام مرأى لجميع الطلاب ليصافحني ويناولني الشهادة وهو مبتسماً لي أحسست بشعور متداخل يُصعب وصفه بكلمات وحروف وجُمل و إبتسامة وحزن في آنٍ واحد.

وأخيراً، ها أنا أقف على منصة جامعة بريدجبورت في الولايات المتحدة الأمريكية وفي يدي شهادة بدرجة الماجستير في تخصص الإعلام الدولي أنهيت فيها مرحلة من حياتي بكل فخر، عانيت الأمرّين بسبب حلم كان لابد أن يتحقق بعد قدرة الله عز وجل لأقف أمام الملا شامخاً عالياً رأسي.

استلمت الشهادة وكأني حاملاً طموحي وتعبي وشغفي بين كفوفي سَهر الليالي الطوال، بُعدي عن والدي و والدتي وأخوتي وأخواتي، عزلة امتدت لسنين في بلاد الغربة .

ختاماً نحن في فترة العزلة المنزلية استفد منها يا صديقي قدر المستطاع فأنت في وقت ذهبي تستطيع أن تفعل كل شيء وتحقق كل شيء حلمت به وكان مُبتغاك، رتّب أفكارك، تأهب لحياتك، ولا تنسى أولوياتك، فأنت السعيد أولاً وأخيرا .

أتمنى لكم عزلة عميقة والسلام .