دعوة للتدبر



بقلم الكاتب : عواض الثبيتي 

مشرف تربوي بإدارة تعليم الطائف

يقف العالم منذ أواخر عام 2019م تقريبا بكل ما أوتي من قوة علمية واقتصادية على قدم وساق ويواصل العلماء في مراكز الأبحاث الليل بالنهار يبحثون عن دواء أو لقاح لوباء فيروس كورونا المستجد COVID-19 ويتجنب العالم الغربي العلماني الاعتراف بان هذه الفيروسات من خلق وتدبير الله الخلاق العليم . (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) الفرقان 2
وقد عجز العالم في القرن الواحد والعشرين رغم ما وصل إليه من تقدم علمي وتقني حتى الآن عن إيجاد طوق نجاة من فيروس لا يرى إلا بالمايكرو سكوب الإلكتروني ، ميت خارج الجسم نشط وحي إذا دخل الجسم بل يتكاثر بالألف وقد يصل إلى الملايين في ساعات أو دقائق ، فيروس لا يعرفون كنهه ولا مصدرة بعيد الغور عصي على الفهم شأنه شأن إخوته أو فصيلته الفيروسيه يتحدى العقول ويستنهض الفكر للإقرار بوحدانية الله وعظمته و بقلة وضحالة علم الإنسان بالنسبة لعلم الله العليم مهما بلغ هذا الإنسان من العلم ومهما أوتي من قوة وقد أخبرنا الله جل شأنه من قبل أكثر من 1440سنه أن الخلق لم يؤتوا من العلم إلا القليل قال تعالى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) الإسراء85
وهذا العلم القليل هو فضل من الله وحده، فهو الذي علّم ويسَّر أسباب العلم، وهو الذي أعطى أدوات العلم للإنسان قال تعالى( علّم الإنسان ما لم يعلم ) العلق 5
ومهما تقدم الإنسان في العلم سيضل جهله أكثر من علمه أو مساويا له ، وقد أعجني في هذا الشأن بعض العبارات الفلسفية عميقة المعنى والدلالة لفيلسوف الحجاز الشاعر (حمزة شحاته ) كما جاءت في كتيب رفات عقل الذي جمع فيه صديقه (عبد الحميد مشخص ) بعض إنتاجه الفكري النادر يقول حمزة شحاته
(ستظل المسافة بين ما نعلم وما نجهل ثابتة لا تتغير .. مهما تقدم العلم )
(كلما أزدت معرفة اتسعت أمامي مساحة جهلي )
( ماذا يمكن أن نعلم بالنسبة إلى ما نجهل ..؟)
(ما نعلم محدود ، أما ما نجهل.. فلا )
فالإنسان الأمي البسيط معارفه محدودة وجهله محدود. والإنسان قبل الالتحاق بالمدرسة مثلا كان يعرف أشياء محدودة ويجهل مثلها ، وكلما تقدم في العلم اتسعت أمامه مساحة الجهل ، والإنسان مهما تعلم سيظل علمه محدود أمام علم الله أما جهله فليس له حدود
وهذا الوباء جعلني ابحث عن معنى فيروس والذي يعني باللاتيني( السم) وأبحث في أسرار الفيروسات وأقرأ عنها وأعيد الاستماع إلى مقاطع عنها للدكتور مصطفي محمود رحمه الله وأتدبر كثير من آيات القرآن الكريم وابحث عن تفاسيرها وقد هالني حجم الأخطار غير المرئية التي تحيط بالإنسان في البيئة المحيطة به إضافة إلى ما يحمل على جسده دون أن يعلم ولا حافظ له منها إلا الله ووقفت كثيرا عند قوله تعالى :
﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ( الرعد11
وقوله تعالى:﴿ قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ ﴾.الأنبياء 42
فالله الحفيظ الحافظ لجميع خلقة من المهالك ومن كل ما ذرأ وبرأ وهو الذي يكلؤهم بالليل والنهار وقد وكّل بكل إنسان ملائكة يحفظونه من بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ مِنْ أَمْرِ اللَّه فإذا جاء أمر الله خلّوا عنه ، فكل شيء بأمر الله وكل أمر بقضاء الله، وتدبر هذه الآيات يبعث في النفس الطمأنينة ويدخل على القلب السكينة، فعلينا الأخذ بالأسباب والتوكل على الله والتضرع إليه أن يرفع الوباء ويكفينا شر الداء فما من دابة إلا آخذ بناصيتها.