الصمت والسلام الداخلي



بقلم : علي جبران

يقول الكاتب الألماني ايكهارت تول ( إن الشيء المكافئ للضجيج الخارجي هو ضجيج التفكير الداخلي ، والشيء المكافئ للصمت الخارجي هو الصمت الداخلي ) .

فقد تجد إنساناً قليل الكلام ويميل الى الصمت كثيرا ، لكن داخلة قد تكون هناك براكين من الأفكار التي لا تهدأ ، فمتوسط الأفكار التي تنتاب الإنسان في اليوم الواحد حوالي خمسين ألف فكرة ، وإيقاف او اخماد الأفكار الداخلية شيء صعب جدا وهي خطوه متقدمة جدا من مراحل السلام الداخلي التي يبحث عنها الكثير من الناس ، لكن هناك خطوات مهمه قبلها يجب علينا أن نتعلمها ونجيدها ، فنحن كمن يصعد درجات الحياة للبحث عن السكينة والاطمئنان والسعادة وراحة البال والسلام الداخلي و لا نستطيع أن نقفز مباشرة الى القمة .

تخيل معي أن هناك طفلين يقفان على الشاطئ ، فأتت موجة بحرية ودفعتهما بضعة أمتار عن البحر ، أحد الطفلين هرب خائفاً وهو يبكي والآخر بدأ يضحك وينتظر الموجه الثانية حتى تدفعه ، الموقف واحد لكن تفسيره يختلف بين الطفلين ، هذا المثال يجعلنا نتأمل قليلا في تفسير مواقفنا الحياتية ، فكلما كان تفسيرنا إيجابي كان ضجيج الأفكار الداخلية أقل وكلما كان تفسيرنا سلبياً كان ضجيج أفكارنا الداخلية أكثر وأعلى .

فقد يفكر الإنسان في الماضي بشيء من السلبية في كثير من المواقف التي مرت به وجراء ذلك سوف يتولد لدية الكثير من الإحساس بالمشاعر السلبية الكثيرة منها الغضب والحزن وعقدة الذنب وتبدأ لدية الكثير من الأفكار الماضوية بالثوران ، فلو عملت كذا لكان كذا لو قلت كذا لكانت النتيجة كذا يا ليتني فعلت كذا قبل كذا وهكذا يصبح تفسيره السلبي للمواقف التي مضت من حياته عبارة عن مصنع لتوليد الأفكار السلبية بداخلة ويقوده ذلك الى الحزن والتعاسة وربما يصاب بالاكتئاب ، فمثل هذه الملفات القديمة المفتوحة يجب حلها بسرعه وإغلاقها ، مثلا إذا كان الموقف الماضي عبارة عن خطاء قام به الإنسان علية الاعتذار وترك الخطاء مباشرة وارجاع ذلك الخطاء لطريقة تفكيره السلبية في ذلك الموقف والتي تستوجب تغير التفكير الإيجابي اتجاه المواقف .

اما الأفكار السلبية المستقبلية فهي مدعاة الى الخوف والقلق من المستقبل ، ماذا سيحدث لي ؟ كيف اعيش بدون كذا ؟ ما لذي سيحدث لأسرتي وصحتي و مالي وهكذا ؟، ولمعالجة هذه الأفكار السلبية المستقبلية ، يبرز موضوع التخطيط المستقبلي بشكل إيجابي اتجاه الإنسان ، فوضع خطط منطقية ذات اهداف قابلة للتّحقق و تنفيذها سوف يشكل فرقا واضحا في طريقة التفكير.

اذاً الأفكار السلبية حول الماضي مدعاة للحزن وربما الاكتئاب و الأفكار السلبية حول المستقبل مدعاة للخوف وربما القلق ، وتفسير المواقف بشكل إيجابي هو أحد حلول صعود درجات الحياة نحو السلام الداخلي .

فبين الماضي والمستقبل هناك الآن أو اللحظة التي يعيشها الإنسان والتي يجب ان يستمتع بها بكل تركيز ، فأفكار الماضي السلبية وأفكار المستقبل السلبية سوف تفسد اللحظة التي يعيشها الإنسان الآن ويصبح مشتت الذهن متطاير الأفكار لا يستمتع باللحظات التي تمر في حياته ، فالتفكير الإيجابي الماضوي والمستقبلي يجعل الإنسان يستمتع بكل لحظة يعيشها لأنها مستقبل قادم نحو ماضيِ سوف يذهب ، والعوامل المساعدة لذلك كثيرة ومتنوعة و جميعها مهمه مثل التأمل وعمليات التنفس والاسترخاء والغذاء الجيد للدماغ و الرياضة واقامة العلاقات الجيدة مع الأفراد الإيجابيين والابتعاد عن السلبيين و النوم الكافي وغيرها من العوامل المهمة ، حينها يمكن حل أي مشكلة إذا واجهتك بجعل ضجيج الأفكار الداخلية أن تهدأ ، فسوف يتحدث لك الصمت بالحلول التي تبحث عنها .