الفيروس



بقلم الاستاذ : عواض الثبيتي

شاهدت برنامج العلم والإيمان لأول مرة وأنا بالمرحلة الثانوية بعدما انتقلت من بني سعد للدراسة بمدينة الطائف ،لأن البث التلفزيوني في تلك الحقبة لم يكن يغطي قرى بني سعد ولم يقتن تلفزيون عادي (أبيض وأسود) إلا القلة القليلة من سكان القرى، كانت الصورة تأتي بمساعدة مقوي( أريل ) مشوشة وغير واضحة في معظم الأوقات و لم تكن متابعة التلفزيون من اهتمامات أهل القرى ، وعندما سكنت المدينة كان برنامج العلم والإيمان يُبث يوم الجمعة بعد صلاة العشاء ، وكان البرنامج من أثقل البرامج على نفسي وعلى نفوس الكثير للجهل بمكانة الدكتور العلمية وقيمة المواد والمواضيع التي يناقشها ويتحدث حولها، ولكن لعدم وجود اختيارات كان السكان يشاهدون كل ما تبثه القناة حيث لم يكن يبث في المملكة العربية في تلك الفترة سوى قناة سعودية واحدة , وكنت أشاهد البرنامج مشاهدة عرضية دون تركيز، ولكن بعدما تنوعت قراءاتي وتوسعت مداركي وثقافتي خلال دراستي الجامعية وما بعدها أدركت قيمة ذلك البرنامج و قيمة تلك الهامة وذلك العملاق الذي كان يقدمه ، وقد رفعت بعض مقاطع من البرنامج على اليوتيوب فيما بعد ومنها مقطع يتحدث عن وحش اسمه ( الفيروس ). شاهدته بعد انتشار وباء كورونا المستجد( كوفيد 19)
سأذكر بتصرف بعض ما جاء فيه، يقول” الدكتور مصطفى محمود الفيروس اسم لاتيني معناه السم مكروب دقيق جدا لا يرى بالعين المجردة ولا بالميكروسكوب العادي ولم يرى إلا بعد عام1932م عندما أخرع الألماني راينولد رودنبر الميكروسكوب الالكتروني ، والفيروس مادة عضوية عبارة عن جزئيات ليس كائن حي لكن إذا وصل إلى خلية حية واستولى على جهازها التكاثري أصبح حيا و سخر الخلية لمصالحه وتكاثره , ويتحول في اليوم الواحد إلى ملايين الفيروسات التي تفتك بالخلايا وتبدأ الأمراض وهذه الجزئيات داخل كبسولة (عبوه) لها خطاطيف يعني متهندسة كما يقول الدكتور مصطفى
ويضيف وقد احتار العلماء الغربيين حول مصدر هذه الفيروسات وذكروا بفكرهم العلماني عدة احتمالات وآراء وحاولوا قدر الإمكان الابتعاد عن نسبتها إلى الخالق ومن ضمن آرائهم أنها تصنع في الفضاء الخارجي ما بين النجوم ثم تقذف إلى الأرض عن طريق الشهب والنيازك وقد استبعد الدكتور هذا الاحتمال وقال إن أقرب احتمال لمصدر الفيروس أنه من طين الأرض فالله خلق من الطين الإنسان وغيره من المخلوقات ، و خلق الفيروس ليس عشوائي كما تصور العلماء الغربيين فوراءه خالق ويتضح ذلك من أنماط الفيروسات وأشكالها الغريبة والغرب يقولون هندسة وراثية والهندسة لابد لها من مهندس أما الحكمة من خلق الفيروس كما ذكر الدكتور مصطفى فقد يكون نوع من العقاب أو نوع من الابتلاء والامتحان أو نوع من التحدي للعقول كفرت وفجرت وتجاوزت الحدود كما في فيروس الإيدز الذي ينتقي خلية المناعة ويدخل إليها ويدمرها.” انتهى واليوم نشاهد فيروس كورونا المستجد( كوفيد 19) يتحدى العالم بأسره ويقف العالم عاجز عن إيجاد لقاح أو دواء لهذا الوباء على الرغم مما وصل إليه من علم وتطور وتقنية ، فكم رصدت من ميزانيات على مستوى العالم وكم من العلماء في مراكز الأبحاث يواصلون الليل بالنهار في سباق مع الزمن وما تزال العقول البشرية عاجزة عن فهم سلوك الفيروس .
لكن أيا كان مصدر الفيروسات من الفضاء الخارجي أومن الأرض أو نتيجة الانفجار السكاني أو الطفرات التي تحدث للفيروسات، فإننا كمسلمين نؤمن بأنها من مخلوقات الله ومن إعجاز قدرته بنص القرآن فالله خلق ما نعلم ومالا نعلم قال تعالى ( وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (8)( النحل
قال القرطبي يرحمه الله في تفسير قوله تعالى (ويخلق ما لا تعلمون) من أنواع الحشرات والهوام في أسافل الأرض والبر والبحر مما لم يره البشر ولم يسمعوا به. وأقول وقد يدخل ضمنها الفيروسات.
وقد علمنا رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم تعويذات و تحصينات أقوى من اللقاحات الصناعية ضد شرما نعلم ومالا نعلم مما خلق الله و ذرأ وبرأ ومن شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج فيها ومن شر ما ذرأ في الأرض، ومن شر ما يخرج منها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن شر كل طارق إلا طارقا يطرق بخير.
فقد خرّج الإمام أحمد بسند صحيح عن عبد الرحمن بن خنبش التميمي أن النبي ﷺ كان يتعوذ فيقول : أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، من شر ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شر ما ينزل من السماء، ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض، ومن شر ما يخرج منها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن شر كل طارق إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن.
وروى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ إذا سافرَ فأقبلَ اللَّيلُ قالَ : يا أرضُ ربِّي وربُّكِ اللَّهُ ، أعوذُ باللَّهِ من شرِّكِ وشرِّ ما فيكِ ، وشرِّ ما خلقَ فيكِ ، وشرِّ ما يدبُّ عليكِ ، أعوذُ بالله من أسَدٍ وأسوَدَ ، ومنِ الحيَّةِ والعقربِ ، ومن ساكنِ البلدِ ، ووالدٍ وما ولدَ .
وأمرنا صلى الله عليه وسلم بالتداوي إذا أصبنا بالأمراض لأن الله لم يضع داء إلّإ وضع له شفاء فقال (تداووا فإنَّ اللهَ لم يضَعْ داءً إلا وضَعَ له دواءً غيرَ الهِرَم)
وفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً».
وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ عَنِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ»
لذا علينا إتباع هديه صلى الله عليه وسلم والتحصّن بالأذكار الشرعية الثابتة في الكتاب والسنة والتداوي إذا لزم الأمر ، ونسأل الله أن يوفق و يفتح على العلماء الذين يبحثون ويحاولون إيجاد اللقاحات ويصنعون الأدوية لأنه لا يتم شيء في السماوات والأرض إلإ بعلمه وإرادته وتوفيقه.