النصف المليء



بقلم :نسيبه علَّاوي

إنَّ أخطر ما يواجه النفس عدم الشعور بالإمتنان.. أنْ يفيض بقلبك السخط فيُغرق الرضا في مستنقع النكران ..تُنكر ما فُعل لأجلك .. و تُشكك في النوايا التي بُذلت لقلبك .. فلا يعود للبذل لأجلك قيمة.. فقد حُطَّ منها و تلوثت بالظنون .. و ملئت نصف الكأس الفارغ فتساوىٰ بالمليء و أصبح الأمر سيَّان .. و تلك أقصىٰ مراحل الجحود!!

يتفوه بلا مبالاة عجيبة.. و الزمن سيعود إليه بدورة مليئة بالدروس.. و يتساقط منه المنطق بدهشةٍ مُرَّة : لا أحد له الفضل عليْ!! أنا أصبحتُ أنا من غير الأيادي و لا فضلها !! كيف برَّر لنفسه تناسي نواميس هذا الكون ؟! و هل خُلق ملاكًا من غير احتياج؟! و هل أكمل نفسه بنفسه؟! و هل للحظة خلاف مع الغير القدرة على نسف كل شيء؟!
“إذا أنتَ لم تشرب مِرارًا علىٰ القذىٰ..ضمِئتَ و أيُّ الناس تصفىٰ مشاربه؟!”

إنَّ النواميس لا تتغير ..و سنحتاج لصفعة تُيقظنا من غفوة العمىٰ..فالناس سُخِّرت للناس..و ما تطاول امرءٌ و طال إلا من أيادٍ خلفه دفعته..و من تحته ساندته .. و منهم من لن نستطع بأي ثمن أن نُسدد له معروفه ..فماذا عن أمٍ افتقدت راحة السنوات و حُرمت سكينة الليالي.. و بذلت صميم العافية و فتات الكبد..و ما وفيتها حقها و إن حجَّت على ظهرك؟! و ماذا عن أبٍ فقد راحته لتهنأ ..و غيَّر من نفسه الكثير ليُصبح لك قدوة.. و أجَّل ما له من أحلام ليكون لك واقع جدير بأن يُعاش؟! ثم ماذا عن زوجٍ وجدتَ به سكينة لضوضائك.. و حائطًا لميلانك؟! و عن صديقٍ هو البوح لقلبك ..و الأمان لأحزانه و وساوسه؟! و عن غريبٍ عابر لكنه صنع يومك و رمىٰ بذرة أمل في بئركْ.. و ماذا عن ابنٍ قرَّ عينك و عزَّىٰ قلبك عن كلِّ مواتْ؟!

في كلِّ ما يُحاوطنا هناك امتنان .. حتىٰ لذلك الألم الذي لقننا درسًا لن ننساه هناك امتنان .. و الكمال صفة نقص في دنيانا .. و النقص لا يُعيب الكمال .. بل إنَّ ما تراه العين كاملًا ما هو إلا وهم .. و تقبُّل النقص دليل على الوعي الكامل ..إذ إنك تسير مع قانون ثابت لهذا الكون .. و الرضا كلُّ الرضا أنْ ترىٰ بالقليل الكثير ..و بالأدنىٰ الأعلىٰ.. ..فحذاري من أن يُنسيك السخط ما قُدِّم إليكْ.